الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن مقاصد الشريعة هي الأهداف التي يرمي إليها الشارع الحكيم، أو هي المقصود بالتكاليف الشرعية.
فالله سبحانه وتعالى لم يخلق هذا الكون عبثا ولم يتركه سدى، بل خلق الإنسان لعبادته وحده لا شريك له.. وسخر هذا الكون لأداء وتسهيل هذه المهمة العظيمة فقال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات: 56}. وقال: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الجاثية: 13}.
وهذا من مظاهر تكريم الله تعالى للإنسان، كما قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا {الإسراء: 70}.
وشرع له الشرائع التي تهدف إلى مصلحته الدنيوية والأخروية وتسهل عليه القيام بأداء المهمة التي من أجلها خلق. يقول الإمام الشاطبي في "الموافقات": إن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معا.. والمحافظة على الضروريات والحاجيات والتحسينيات.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الشريعة الإسلامية جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وترجيح خير الخيرين إذا لم يمكن أن يجتمعا، ودفع شر الشرين إذا لم يمكن أن يندفعا. ومن مقاصد الشريعة الإسلامية المحافظة على الكليات الخمس التي تواترت رسل الله تعالى على وجوب المحافظة عليها، وهي الدين، والنفس، والعقل، والنسب، والمال، والعرض، ومنها اليسر ورفع الحرج والمشقة.
ويقول أبو بكر بن عاصم الغرناطي المالكي في نظمه البديع في أصول الفقه: "مرتقى الأصول":
مقاصد الشرع ثلاث تعتبر * وأصلها ما بالضرورة اشتهر
واتفقت في شأنها الشرائع * إن كان أصلا وسواه تابع
وهو الذي برعيه استقرا * صلاح دنيا وصلاح الأخرى
وذاك حفظ الدين ثم العقل * والنفس والمال معا والنسل
من جهة الوجود والثبات * كالأكل والنكاح والصلاة
وتارة بالدرء للفساد * كالحد والقصاص والجهاد
وبعده الحاجي وهو ما افتقر * له مكلف بأمر معتبر
من جهة التوسيع فيما ينتهج * أو رفع تضييق مؤد للحرج
وثالث قسم المحسنات * ما كان من مسائل العادات
وفي الضروري وفي الحاجي * ما هو من تتمة الأصلي
والله أعلم.