الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الواجب علينا أن نحب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لثناء الله عليهم، لإيمانهم به، وتصديقهم لنبيه، ولنصرتهم له، ولما نفعنا الله به من جهادهم في سبيل نصرة دين الإسلام الذي من الله به علينا، وإيصاله إلينا نقياً صافياً. قال الحافظ ابن كثير: والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة لما أثنى الله عليهم في كتابه العزيز، وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم، وما بذلوه من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم رغبة فيما عند الله من الثواب الجزيل، والجزاء الجميل. اهـ. وقد روى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه. ولقد عد العلماء قديماً الطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم علامة على أهل البدع والزندقة الذين يريدون إبطال الشريعة بجرح رواتها. قال أبو زرعة: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة!!. وعن الإمام أحمد أنه قال: إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء ـ فاتهمه على الإسلام. وقال الإمام البربهاري: واعلم أن من تناول أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه إنما أراد محمداً، وقد آذاه في قبره !!. وانظر الفتوى رقم: 36106. وللرد على أولئك الزنادقة السابين نقول: أولاً: إن سبكم إياهم تكذيب لما ثبت في الكتاب والسنة في مواطن متعددة، من الثناء عليهم. ومن ذلك قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ {آل عمران: 110}. وقوله: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ {البقرة: 143}. وأصحاب رسول الله عليه وسلم أول من وُوجه بهذا الخطاب فهم معنيون به بالدرجة الأولى. قال الله عز وجل: لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {التوبة: 88ـ89}. وقال عز وجل: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {التوبة:100}.وقال سبحانه: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ {التوبة:117}. وقد أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصبر نفسه معهم قال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ {الكهف: 28}. وقال سبحانه: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا {الفتح: 18ـ19}. وقال عز وجل: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً {الفتح:29}. وقال عز وجل في آيات الفيء: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {الحشر:8ـ9}. وكذلك ثبت في السنة في فضائل الصحابة جملة وتفصيلاً الشيء الكثير، ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. وقال أيضاً: النجوم أمنةٌ للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما تُوعدُ، وأنا أمنةٌ لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنةٌ لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون. رواه مسلم. وكذلك ثبت في السنة المطهرة النهي عن سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصفيه. رواه البخاري ومسلم. ثانياً: نقول للزنادقة السابين: إن الطعن في عدالة الصحابة قدح في الشرع كله، لأنهم حملته إلى الأمة، ولهذا لا يوجد أحد يطعن في عدالتهم إلا ويضعف إيمانه وتصديقه بالنصوص بقدر ما يطعن في الصحابة، وهذا أمر ظاهر لكل من تأمل حال من ابتلي بالطعن في الصحابة. ولقد فُضلت اليهود والنصارى على الزنادقة السابين للصحابة فإذا سئلت اليهود من خير ملتكم، قالوا: أصحاب موسى، و إذا سئلت النصارى: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: حواريي عيسى.وإذا سئلت الزنادقة السابين: من شر أهل ملتكم؟ قالوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم!!!. هذا ونوصيك بأمرين: الأول: عدم مخالطة من يقع في صحابة رسول الله وترك مجالستهم مطلقاً، فإن مرضهم، معدٍ، ولقد نهى السلف أشد النهي عن مخالطة أهل البدع. ثانياً: نوصيك بمطالعة كتاب المناقب وكتاب فضائل الصحابة من صحيح البخاري وكتاب فضائل الصحابة من صحيح مسلم. وذلك ليزداد حبك لهم فتحشري معهم.
والله أعلم.