الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا مانع من أن يدفع الباحث عن العمل والذي سميته الطرف الثالث مبلغا من المال معلوما لمن يدله أو يوفر له فرصة عمل، ويكون ذلك من باب الجعالة. جاء في كشاف القناع: والجعالة مشتقة من الجعل، بمعنى التسمية، لأن الجاعل يسمي الجعل لمن يعمل له العمل، أو من الجعل بمعنى الإيجاب يقال: جعلت له كذا أي أوجبت، ويسمى ما يعطاه الإنسان على أمر يفعله جعلا وجعالة وجعيلة.
والأصل في مشروعيتها قوله تعالى: وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ {يوسف: 72}.
وحديث اللديغ، وهي جعل شيء من المال معلوم كأجرة لمن يعمل عملا مباحا. اهـ.
فالمقصود أن المبلغ المعلوم الذي يدفعه الباحث عن عمل للشخص الذي يدله عليه جائز، لأنه مقابل عمل مباح، أما ما يأخذه الطرف الأول فينظر فيه، فإن كان هذا الشخص مسؤولا عن هذا القطاع الذي سيعمل فيه الطرف الثالث فلا يجوز له أخذ شيء مقابل تعيين الشخص المذكور، لأن هذا واجبه إن تقدم لهذا العمل كفؤ، فما يأخذه يكون رشوة لا جعالة، ولهذا جاء في الكتاب المذكور آنفا فيمن كانت بيده لقطة فإنه لا يجوز له أخذ جعل في حقه ليردها إلى مالكها، لأن رد اللقطة واجب شرعا في حقه. قال في كشاف القناع: وإن كانت بيد إنسان فجعل له مالكها جعلا ليردها لم يبح له أخذه.
وإذا لم يبح له أخذ شيء على هذا العمل لم يجز للطرف الثاني أن يكون وكيلا له في هذا العمل، وإذا لم يكن الطرف الأول مديرا ولا مسؤولا عن هذه الوظائف فحكمه حكم الطرف الثاني ولهما أن يقتسما الجعل حسب الاتفاق بينهما.
ويشترط لجواز هذا العمل أن لا يكون فيه توظيف من لا يستحق على حساب من يستحق، فإن ذلك خيانة. روى الحاكم في مستدركه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من استعمل رجلا من عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين. قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
والله أعلم.