الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فليس في قولك " وسوف آخذ حقي منك يوم القيامة" إثم أو ذنب. واعتبار عمك أن هذا القول خطأ في حقه إنما هو عذر تعذر به وتحجج به أمام والدك، ولعل غضبه إنما كان لأجل طلبك لحقك منه، فهذا حال بعض الناس ممن يحبون أكل أموال الناس بالباطل، والعياذ بالله، إن أعطيته رضي، وإن لم تعطه أو طلبت منه حقك غضب، وقد كان الأحرى به حسن القضاء، والسماحة فيه مكافأة منه لجميل صنيعك معه، وتعرضا لرحمة الله تعالى في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: رحم الله عبدا سمحا إذا باع، سمحا إذا اشترى، سمحا إذا قضى، سمحا إذا اقتضى. وفي صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن خيار الناس أحسنهم قضاء. وقد أحسنت حيث لم تقابله بالمثل وبقيت على صلتك له وزيارته والله سيأجرك على ذلك، فإنك واصل حقك إذ الواصل هو من يصل من قطعه كما قال عليه الصلاة والسلام: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها. أخرجه البخاري. وأما ما حدث بينكما حسب تصورنا للموقف من خلال كلامك فإن ما فعله عمك من عدم رد السلام وقد مددت إليه يدك مصافحا ومسلما لا يجوز، وظلم بين، وتصرف مشين لا سيما أمام الناس لما فيه من إيلام وإحراج وجرح للكرامة، وكان عليك أن تقول له: إن رد السلام واجب وحق للمسلم على المسلم، ثم تذهب وتتركه يصاب بالخجل ولوم الحاضرين ولكن قدر الله وما شاء فعل، وأما ردك على صفعته بالمثل فيجوز، وإن كان الصبر والعفو أولى وأفضل خاصة وأن المعتدي والظالم هو عمك، وله عليك حق قال الله تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ*وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ*إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ * ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور { 40 ـ 14}. ونحيلك لمعرفة موقف الإسلام ممن يقطع رحمه على الفتاوى التالية أرقامها: 31617، 33289 ، 34566. ولاشك أن رد السلام واجب وحق للمسلم على أخيه المسلم قال تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً {النساء:86}. قال صلى الله عليه وسلم: حق المسلم على المسلم ست، قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه. رواه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي وغيرهم. ولا يجوز بحال احتقار الناس وإهانتهم فإن ذلك من الكبر المتوعد عليه صاحبه بعدم دخول الجنة، فقد ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا، ونعله حسنة، قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس. معناه احتقارهم. وقد أحسن أخوك حين قام بالإصلاح بينكم، فإن إصلاح ذات البين من أفضل الأعمال، قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {لأنفال: 1}. وقال تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً {النساء:114}. ونوصيك بالاستمرار على صلة عمك والإحسان إليه وعدم قطع رحمه والصبر على أذاه، ولن يزال معك من الله نصير عليه ما دمت على ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسؤون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال عليه السلام: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهيرا عليهم ما دمت على ذلك. ومعنى " تسفهم المل" تطعمهم الرماد الحار وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم، كما يلحقهم الألم في الرماد الحار.
والله أعلم.