الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالطواف ركن من أركان العمرة، ويشترط لصحته من المرأة الطهارة من الحيض والنفاس عند جماهير العلماء خلفا وسلفا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها لما حاضت: افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري. والحديث متفق عليه. وقال الحنفية في الراجح عندهم إن الطهارة واجبة، وليست شرطا لصحة الطواف، ومن طاف للعمرة على غير طهارة سواء كان محدثا أو جنبا أو حائضا أو نفساء ولم يعد فعليه شاة ، وفي إيجاب الشاة نظر كما سنقرره إن شاء الله تعالى لا حقا. وعلى هذا فالمرأة إذا حاضت قبل أن تطوف للعمرة فإن عليها أن تبقى، وعلى من تحتاجه من محارمها أن ينتظرها حتى تطهر وتطوف، فإن كان بقاء هذه المرأة غير ممكن، ففي هذه الحالة يسعها أن تذهب، وتبقى على إحرامها، فإذا طهرت رجعت وطافت. فإن كان الرجوع متعذرا أو فيه مشقة كبيرة فإن عليها أن تستثفر ( تلبس حفاظة)، وتطوف بالبيت، وتهدي شاة تذبح في الحرم لجبر ما فات من واجب. وهذا قول طائفة من أهل العلم مستندين إلى أدلة وقواعد شرعية منها: قول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن: 16}. وقوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا {البقرة:286}. ولاشك أن الانتظار لغاية الطهر قد يكون فيه من المشقة والتكليف بغير المستطاع ما لا يخفى ، الأمر الذي يتنافى مع هذه النصوص وأشباهها. ومن القواعد الشرعية التي يمكن أن يفرع عنها هذا القول: أن جميع الشروط والواجبات في العبادة معلقة بالقدرة، فمن عجز عن شيء منها صار إلى البدل، إن كان له بدل، كالتيمم عند فقد الماء، أو العجز عن استعماله، وإن لم يكن له بدل سقط عنه، وبيان ذلك أن غاية ما يقال في الطهارة من الحيض أنها: شرط صحة بالنسبة للطواف، فتسقط بالعجز عنها. وقال ابن القيم بعد تقريره لهذا القول: ... ليس في هذا ما يخالف قواعد الشرع، بل يوافقها ـ كما تقدم ـ إذ غايته سقوط الواجب، أو الشرط بالعجز عنه، ولا واجب في الشريعة مع عجز، ولا حرام مع ضرورة.. ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم هذا القول، وأنه لا يجب هدي على المرأة في هذه الحالة. وهو قول حسن صواب. وممن أفتى بهذا من المعاصرين الشيخ ابن باز رحمة الله على الجميع.