الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن العمل في البنوك الربوية غير جائز، ويجب على من تورط في العمل بها الاستقالة فوراً، وقد سبق بيان ذلك في أكثر من فتوى منها الفتوى رقم: 1009، والفتوى رقم: 1725.
وأما الاقتراض من البنك الربوي بدون فائدة فجائز في نفسه، إلا أن الأولى مقاطعة هذه البنوك وترك التعامل معها إن أمكن أن يتعامل مع غيرها من البنوك الإسلامية، لما في التعامل مع البنوك الربوية من إقرار وتشجيع لها.
وأما الاستشكال الذي بدا للأخت السائلة فنقول في جوابه: اعلمي أن الله تعالى يمحق الربا كما قال جل وعلا: يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ {البقرة:276}، والمحق قيل: هو الهلاك والاستئصال. وقيل: هو ذهاب البركة. وهذا واضح مشاهد لكثير من المرابين. وقد يتأخر هذا الوعيد عن بعضهم، بل قد يموت ولم يمحق ماله، فيمحق من بين يدي ورثته، فالمقصود أن لا يُغتر بحسن حال بعض المرابين؛ لأن عاقبة أموالهم إلى المحق إلا أن يشاء الله.
يقول ابن حجر الهيتمي: (يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا) أي معاملة لفاعليه بنقيض قصدهم، فإنهم آثروه تحصيلاً للزيادة غير ملتفتين إلى أن ذلك يغضب الله تعالى، فمحق تلك الزيادة بل والمال من أصله حتى صير عاقبتهم إلى الفقر المدقع، كما هو مشاهد في أكثر من يتعاطاه. وبفرض أنه مات على غيره يمحقه الله من أيدي ورثته.. ومن المحق أيضا ما يترتب عليه من الذم والبغض وسقوط العدالة وزوال الأمانة وحصول اسم الفسق والقسوة والغلظة... وأيضاً فمن اشتهر أنه جمع مالاً من ربا تتوجه إليه المحن الكثيرة... هذا كله محق الدنيا، وأما محق الآخرة... فإنه يموت ويترك ماله كله وعليه عقوبته وتبعته والعذاب الأليم بسببه. انتهى.
فعلم من هذا أن المحق معنى كبير يشمل الدنيا والآخرة وله صور، وقد يمهل الله المرابي فلا يعاجله بالعقوبة لحكمه يعلمها الله تعالى، كما يمهل الظالم ثم إذا أخذه لم يفلته.
والله أعلم.