الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلم يثبت ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين صلاتين بسبب ريح شديد أو غبار، وإنما ثبت كونه قد جمع بين الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء بالمدينة وهذا الجمع قيل إنه بسبب المطر، وقد حمله بعض أهل العلم على أنه جمع صوري، وهو أداء الأولى من الصلاتين في آخر وقتها مع تعجيل الثانية في أول وقتها، ففي صحيح البخاري من حديث جابر بن زيد عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة سبعاً وثمانيا الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فقال أيوب السختياني لجابر: لعله في ليلة مطيرة، قال: عسى.
وفي صحيح مسلم عن ابن عباس أيضاً قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً بالمدينة في غير خوف ولا سفر، قال أبو الزبير: فسألت سعيداً: لم فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألتني فقال: أراد أن لا يحرج أمته. انتهى.
وقد رجح الحافظ ابن حجر أن الجمع المذكور محمول على الجمع الصوري، لكن بعض أهل العلم صرحوا بإباحة الجمع للحاجة في الحضر بشرط عدم اتخاذه عادة، قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة. انتهى.
إضافة إلى جواز الجمع عند بعض أهل العلم أيضاً بسبب حصول الريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة قال ابن قدامة في المغني: فأما الريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة ففيها وجهان، أحدهما: يبيح الجمع، قال الآمدي: وهو أصح وهو قول عمر بن عبد العزيز؛ لأن ذلك عذر في الجمعة والجماعة بدليل ما روى نافع عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي مناديه في الليلة المطيرة أو الليلة الباردة ذات الريح صلوا في رحالكم. رواه ابن ماجه واللفظ له، وأبو داود وأحمد وصححه الألباني والأرناؤوط.
والثاني: لا يبيحه لأن المشقة فيه دون المشقة في المطر فلا يصح قياسه عليه، ولأن مشقتها من غير جنس مشقة المطر، ولا ضابط لذلك يجتمعان فيه؛ فلم يصح إلحاقه به. انتهى، وللمزيد عن هذا الموضوع راجع الفتوى رقم: 6846، والفتوى رقم: 57831.
والله أعلم.