الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد نص القرآن على أن أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، أو أشركوا مع الله غيره، أو جحدوا نبوة أحد من الأنبياء أنهم كافرون، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا {النساء: 150-151}. وعلى افتراض وجود بعض أهل الكتاب ممن يوحدون الله فإن مجرد هذا الإقرار لا ينفعهم، فالموحدون حقا هم الذين يؤمنون بالله إلها لا شريك له، ويؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم ويقرون بكل ما جاء به ملتزمين شريعته ظاهرا وباطنا، ولا تجتمع هذه الأشياء إلا في دين الإسلام. قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ {آل عمران: 19}. وقال: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران: 85}.
أما اليهود والنصارى فلا يوجد فيهم موحد بهذا المعنى، بل هم مشركون بالله تعالى، وجاحدون بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وقد نسخ الله كل الشرائع والأديان السابقة بدين الإسلام ، وختم الأنبياء والمرسلين بمحمد صلى الله عليه وسلم، فكل إنسان- سواء كان من أتباع الأديان السابقة أو من غيرهم، وسواء اعتقد التثليث أو لا يعتقد- لا يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ولا بما جاء به، وقد بلغته رسالته يعتبر كافرا مخلدا في النار إن مات على ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار رواه مسلم عن أبي هريرة، ولقوله صلى الله عليه وسلم: إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة. الحديث متفق عليه عن أبي هريرة.
أما كفر أهل الكتاب فثابت بالنص والإجماع، ومعلوم من الدين بالضرورة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 2924 ومن لم يكفرهم فهو كافر، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 12718 إلا أن يكون أي من لم يكفرهم جاهلا أو متأولا أو ملبسا عليه من علماء السوء، أو عنده شبهة، فيجب في تلك الحال إقامة الحجة عليه، وإزالة ما عنده من شبهة قبل الإقدام على تكفيره.
والله أعلم.