الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا نرى في رأيك أمرا معيبا يستحق ذلك الوصف الذي وصفك به أخوك بل رأيك هو الصواب ونظرتك هي الأقرب للواقع ولفطرة المرأة وطبيعتها ، وسؤالك كله يدور حول فكرة واحدة وأمر واحد هو عمل المرأة وهل يجوز أم لا يجوز ، وهل عملت الصحابيات في التجارة والتمريض ، وهل عمل المرأة أفضل أم مقامها في بيتها أفضل ؟ والجواب عن ذلك قد سبق في فتاوى كثيرة جدا ، ويمكن الدخول على الفهرسة الموضوعية بعنوان عمل المرأة وستجدين الكثير في ذلك . وخلاصة القول أن عمل المرأة من الأمور المباحة إن لم يكن ثمة اختلاط ، والاختلاط على قسمين : اختلاط ممنوع : وهو الذي تظهر فيه العورات أو يحدث فيه ملامسة أو كان داعية فتنة .واختلاط غير ممنوع : وهو الذي تخلص من المحذورات السابقة . وما ذكر من عمل الصحابيات هو من هذا القسم المسموح ، فقد كان الرجال والنساء يجتمعون تحت سقف واحد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع غض البصر والستر والعفاف وحفظ لحدود الله تعالى ، من غير مماسة ولا فتنة ، وراجعي الفتوى رقم 10021، والفتوى رقم19233 ، وأما بشأن مداواة الجرحى فانظري الفتوى رقم 52323 فعجبا كيف يقاس ذلك المجتمع الطاهر على المجتمعات التي غلب فيها الفحش، وقل فيها الحياء، وظهرت فيها المنكرات . لسنا نمنع عمل المرأة ولكننا نمنع الفساد ، لسنا نمنع اجتماع الرجال والنساء في مؤسسة واحدة أو شركة واحدة ولكننا نمنع ما يمنعه كل مسلم يخشى الله تعالى من مواعدة ومصادقة وفتنة وفساد . وإذا كان الشرع قد حث المرأة في زمن الطهر والعفاف على أن تكون في بيتها، وأن لا تخرج إلا لحاجة ففي الحديث المتفق على صحته عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن . بل جعل الإسلام صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ففي الحديث عند أبي داود والبيهقي والحاكم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن .وفي صحيح ابن حبان وصحيح ابن خزيمة عن عبد الله بن سويد الأنصاري عن عمته أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إني أحب الصلاة معك، قال قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي، قال: فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه، وكانت تصلي فيه حتى لقيت الله جل وعلا . فإذا كان هذا في شأن الصلاة فكيف بغير ذلك ، ولا نشك أن عمل المرأة الكبير ودورها العظيم هو أن تكون مربية لأبنائها تغرس فيهم حب الله والرسول ، وحب الإسلام والقرآن . وأما بشأن السؤال عن العلم الذي تعلمته ؟ فالجواب : أن العلم ليس على درجة سواء فمنه العلم الواجب تعلمه على الأعيان وهو العلم بفرائض الإسلام كالصلاة والصيام والزكاة ونحو ذلك مما يجب على الأعيان ، ومنه ما لا يجب تعلمه على جميع المسلمين، بل إذا قام بهذا الواجب البعض كفى وسقط الإثم عن الباقين، كوجوب وجود عالم في كل بلد يفتي الناس بما يحل وما لا يحل ويعلمهم شريعة رب العالمين ، فهذا الواجب على الأمة كلها أن تنتدب من يقوم بهذا الواجب فإذا فرطوا أثموا جميعا ، ولكن لا يجب عليهم أن يكونوا كلهم علماء ، فإذا قام بهذا الواجب من يكفي ويسد حاجة الأمة سقط الوجوب عن بقية الأمة ، وهكذا في بقية فروض الكفاية كوجود الطبيب ونحوه . وأما تعليم العلم : فلا يجب على كل الناس بل إذا قام بهذا الواجب من يكفي من المسلمين سقط الإثم عن الباقين ، وعليه فإذا كان العلم الذي قمت بتعلمه فرض عين وقام بتعليمه غيرك فلا يجب عليك تعليمه ولا تأثمين بترك ذلك . قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر : تنبيه : عد هذه – أي كتم العلم - كبيرة هو ما صرح به غير واحد من المتأخرين , وكأنهم نظروا إلى ما ذكرته من هذا الوعيد الشديد فيه , وليس ذلك على إطلاقه فإن الكتم قد يجب والإظهار قد يجب وقد يندب , ففيما لا يحتمله عقل الطالب , ويخشى عليه من إعلامه به فتنة يجب الكتم عنه , وفي غيره إن وقع - وهو فرض عين أو في حكمه - وجب الإعلام , وإلا ندب ما لم يكن وسيلة لمحظور . والحاصل : أن التعليم وسيلة إلى العلم فيجب في الواجب عينا في العين وكفاية فيما هو على الكفاية , ويندب في المندوب كالعروض، ويحرم في الحرام كالسحر والشعبذة .اهـ.