الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد تقدم في الفتوى رقم: 26621، أن من تيقن الطهارة وشك في الحدث أنه باق على طهارته؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الوارد في الفتوى المشار إليها، ولأن اليقين لايزال بالشك، وكذلك من تيقن الحدث وشك في حصول الطهارة فإنه باق على الأصل المتيقن وهو الحدث. هذا مذهب أئمة المذاهب الثلاثة غير المالكية فإن مجرد الشك في حصول الحدث بعد الطهارة ناقض للوضوء عندهم إن حصل من شخص غير كثير الشك.
أما المسألة التي في السؤال فقد ذكر النووي رحمه الله تعالى فيها وجهين أصحهما عدم إجزاء الوضوء في الحالة المذكورة قال: إذا تيقن الطهارة ثم شك في الحدث لم يلزمه الوضوء لكن يستحب له، فلو توضأ احتياطا ثم بان أنه كان محدثا فهل يجزيه ذلك الوضوء؟ فيه وجهان مشهوران عند الخراسانيين أصحهما: لا يجزيه لأنه توضأ مترددا في النية إذ ليس هو جازما بالحدث، والتردد في النية مانع من الصحة في غير الضرورة، وقولنا في غير الضرورة احتراز ممن نسي صلاة من الخمس فإنه يصلي الخمس وهو متردد في النية ولكن يعفى عن تردده لأنه مضطر إلى ذلك. والوجه الثاني: يجزئه لأنها طهارة مأمور بها صادفت الحدث فرفعته، والمختار الأول وبه قطع البغوي. انتهى.
وقوله: نسي صلاة من الخمس فإنه يصلي خمسا ، يعني نسي صلاة من الخمس ولا يدري عينها هل هي الظهر مثلا أو العصر؟
وقد نص المالكية على أن من جدد وضوءه ثم تبين أنه كان محدثا أن هذا الوضوء لا يجزئه ولا بد من إعادته، قال خليل بن إسحاق المالكي في مختصره وهو يذكر أمثلة الوضوء الذي لا يرفع الحدث ولا يجزئ عن الفرض" أو جدد فتبين حدثه" قال في منح الجليل عند هذا النص: أو اعتقد أنه متوضئ و(جدد) وضوءه بنية الفضيلة أو الفريضة (فتبين) له بعد الوضوء المجدد (حدثه) قبل التجديد فلا يجزئه هذا الوضوء لعدم نية رفع الحدث، ولأن المندوب لا يكفي عن الفرض. انتهى.
ومما ذكرنا يتبين أن من شك في الحدث بعد تحقق الطهارة أنه غير مطالب وجوبا بالوضوء، لكن يستحب له أن يتوضأ، ثم إن توضأ احتياطا فتبين أنه كان محدثا قبل الوضوء الأخير فإنه لا يجزئه على ما صحح النووي، وكذلك من توضأ بنية التجديد ثم تبين أنه كان محدثا فإن وضوءه هذا لا يجزئه كما نص على هذا المالكية.