الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فحسب ما قرأنا في رسالة الأخت، وجوابًا على سؤالها هل هي وأختها قد أذنبتا في حق والديهما؟ نقول: إن المذنب أولًا هما الوالدان وليس الفتاتين، وذلك أن الوالدين قد ارتكبا أخطاء كثيرة في حق ابنتيهما قصدا ذلك أو لم يقصدا.
أول هذه الأخطاء: السفر وترك طفلتين صغيرتين خمس وست سنوات خلفهما، في حين أن الطفل في هذه السن لا يستغني عن أبويه أو أحدهما.
الثاني: ترك الطفلتين عند هذه العائلة -وإن كانوا أقارب- التي يظهر أنها بعيدة كل البعد عن الدين والأخلاق، يتجلى ذلك في معاملتهم للطفلتين تلك المعاملة الوحشية التي وصفت السائلة، وفي وجود شخص بينهم (الخال) شاذ منتكس الفطرة فاسق فاجر، حيث ارتكب جريمته الشنيعة في حق الطفلتين البريئتين، مما ترك فيهما أبلغ الأثر، وجرحهما جرحًا غائرًا.
الثالث: حين اجتمع شمل الأسرة أخطأت الأم خطأ آخر، فبدلًا من أن تسمع لشكوى الطفلتين وتخفف عنهما، رفضت السماع لهما، وكبتت مشاعرهما، مما زاد الجرح غورًا وأثرًا في مستقبل حياتهما.
الرابع: ثم بعد ذلك أخطأ الوالدان خطأ فادحًا حين فضلا إحدى البنتين على الأخرى، مما سبب للأخرى عقدًا نفسية، ومشاعر كراهية وتمرد على أهلها.
الخامس: أخطأ الوالد حين زوج الفتاة ممن لا ترغب فيه، وأكرهها عليه، دون نظر إلى مشاعرها وعواطفها، ودون نظر للزوج في دينه وخلقه، مما جعلها تعيش حياة تعيسة مع زوج لا يقيم لها قدرًا، ويهينها ويحتقرها.
السادس: ضرب الوالد ابنته وحبسها حين كانت تطلب منه أن يطلقها من زوجها بقسوة، مما أدى إلى ما لا يحمد عقباه، وحتى وقع الفأس في الرأس بهرب الفتاة وانحرافها.
السابع: تشجيعهما ورضاهما عن إقامة ابنتهم (السائلة) علاقة مع شاب خارج نطاق الزواج، وهذا شيء غريب، والأشد غرابة كما قالت السائلة أنها حينما أرادت أن تكون هذه العلاقة بما أحل الله وهو الزواج، رفضا بشدة، وبذلك سدا على الفتاة الطريق الحلال، ودفعا بها إلى الحرام وإلى مقاربة الوقوع فيما وقعت فيه أختها وقد وقعت في مقدماته، لولا أن الله سبحانه حفظها منه.
إنه لمن المؤسف جدا أن يصل الحال ببعض الآباء إلى هذا الحد من سوء التربية، فبدلا من أن يأخذا بأيدي أبنائهم إلى بر الفضيلة والعفة ويحرسا أولادهم وبناتهم من مستنقعات الفساد وأوحال الرذيلة، نرى العكس من هذين الوالدين، وهذا ينم عن جهل بعظم المسؤولية الملقاة على عاتق الآباء، وأنهم مسؤولون أمام الله عما استرعاهم الله عليه من هؤلاء الأبناء، كما ينم عن جهل بأدنى قدر من أصول التربية، وينم كذلك وللأسف عن قلة دين الأبوين، وعن تأثرهما بعادات وأخلاق ذلك المجتمع الغربي الذي يعيشون فيه الذي لا يقيم للأخلاق والقيم وزناً.
نسأل الله أن يتوب عليهما، وأن يهديهما إلى الحق، وبهذا يتبين للأخت أن والديها هما من أذنب وأخطأ أولًا، ولا يعني قولنا أنهما أخطئا أنه ليس لهما فضل ولا حق، بل لهما حق كبير، وبرهما من أفضل الطاعات، ويجب الإحسان إليهما، وخفض الجناح لهما، وإكرامهما بالقول والفعل قال تعالى : وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً*وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً {الاسراء: 23ـ24}.
أما الأخت السائلة، فننصحها بالتوبة إلى الله عز وجل، وأن تحث زوجها على التوبة مما بدر منهما قبل الزواج، قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور: 31}، وأن لا تجعل من الخوف من المستقبل أو معرفة الزوج بكل شيء عن حياتها سببًا للانفصال عن زوجها الذي تحبه، ولا يستحق الانفصال عنه كما قالت .
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.