الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه يجب على المسلم الحذر كل الحذر من الاستهزاء بآيات الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم. مما يقع فيه كثير من الناس قصدا أو عن غير قصد، ومن ذلك تقليبهم لأوراق المصحف وغيره بالبزاق، ورمي الأوراق التي فيها اسم الله واسم رسوله صلى الله عليه وسلم في القمامة وأماكن الامتهان، وترك ما فيه ذلك وسط الطريق. قال العلماء: إن فعل ذلك وهو لا يعلم ما في الورق أثم لاحتمال أن يكون فيها آية أو حديث، وأما إذا علم ذلك وتركها تداس فإنه يكفر والعياذ بالله. وقد نظم محمد العقاب بن مايابى ذلك في نوازل العلوي فقال:
وتارك ورقة لا يعلم * مكتوبها وسط الطريق يأثم
وإن دراه خبرا أوآية * فتركها للكفر أي آية.
لأنه امتهان لا غبار عليه، وهو مما ينافي تعظيم حرمات الله، وقد قال تعالى: وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ {الحج: 30}. وقال: وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ {الحج: 32}. كما حذر الله تعالى من الاستهزاء بالله وآياته ورسوله، بل حكم بكفر من وقع منه ذلك قطعا فقال: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ*لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ {التوبة: 66}. وأما من وقع في نحو ذلك دون قصد منه فإنه لا يكفر قطعا لعدم قصده الامتهان ولأنه معذور. لكن يأثم إذا تساهل في ذلك كما مر، وتجب عليه التوبة إلى الله، ومن تاب تاب الله عليه، ولا شيء عليه إن لم يتساهل كمن وطئ ورقة في المصحف، وهو لا يراها ـ كما هو حال السائل ـ لأن الله سبحانه وتعالى قد تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان؛ كما في قوله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا{البقرة: 286}. قال صلى الله عليه وسلم: قال الله: قد فعلت، وفي رواية "نعم". أخرجه مسلم. قال ابن كثير: والمعنى لا تؤاخذنا إن تركنا فرضا على جهة النسيان أو فعلنا حراما كذلك... وفي الحديث: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. أخرجه ابن ماجه والدار قطني والبيهقي وصححه الألباني.