الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الحب في الله بين الأختين الداعيتين إلى الله تعالى مطلب شرعي وأجره عظيم، وكذلك الحفاظ على حضور مجالس الإيمان، فعليك بالحرص على قيامك بالدعوة إلى الله تعالى بين الأخوات، وبدعوة زوجك إلى الله ، وحضه على التوبة والإقلاع عن بيع وشرب الخمر المحرم بيعه وشربه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها. رواه أبو داود والحاكم وصححه الألباني.
وحرضيه على الاقتصار على بيع ما يباح بيعه، وبيني له أن الرزق بيد الله وأن طلبه بالوسائل المحرمة مدعاة للحرمان كما أن الاقتصار على الوسائل المباحة والتمسك بالتقوى مدعاة لتيسير الأمور وفتح أبواب الرزق، قال الله تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:4}، وقال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:3}، وفي الحديث: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد والحاكم.
وأما قيام الداعية بالغيبة والحلف كذبا فإنه يعتبر محرما شرعاً، ولكنه ينبغي علاجه بالتناصح بين الأخوات، وإذا كنت تعلمين عدم قبول الأخت لسماع النصيحة منك، فيمكن أن تحرضي إحدى الأخوات على نصحها أو تسعي في إيصال شريط أو رسالة إليها وغير ذلك مما يفيدها في الموضوع، مع الدعاء لها والصبر على ما تلقينه منها، ومحاولة دفع السيئة بالحسنة، فقد قال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}، وفي حديث مسلم: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.
وأما اتهامها بأنها لا تحب من ينافسها، وأنها تحض المستمعات للدرس على التشويش بسبب ذلك، فإنه على فرض وقوعه يتعين تنبيهها على أن ساحة العمل لدين الله واسعة، وأنها تحتاج لتعاون الجميع على تحقيق ما يطلب عمله، ولئن بذل كل منهم ما استطاع من العمل فإنه ستبقى حاجات كثيرة تحتاج لمن يقوم بها، وليكن شعارنا جميعاً التعاون على البر والتقوى.
ولكن الأولى هو إحسان الظن بها، والتغاضي عن هفوتها، وحمل ما حصل منها على أنها ناقصة الفقه في موضوع هجر العصاة، والاستفادة من الداعي الذي تحصل منه بعض الأخطاء، فلا يكن ما حصل منها سبباً لوقوع البغض منك لها ولا التقصير في ا لدعاء لها ولا في دعوة غيرها.
ويتعين تنبيه الأخوات إلى أنه لا عصمة لأحد بعد الرسل، وأن خطأ المعلم والناصح لا يمنع من الاستفادة منه فقد ثبت في البخاري أن أبا هريرة قبل النصيحة من الشيطان بعد ما عرف قيامه بالتلصص والكذب ثلاث مرات، ومن المعلوم أن أبا هريرة من أعلم الصحابة وشيخه هو أعلم خلق الله، ولكن هذا لم يمنعه من الاستفادة من غيره مع علمه بانحرافه، ويتأكد التثبت فيما يلقيه المنحرف وعرضه على الوحي ليعلم هل هو صحيح أم لا.
وأما أكل أخواتك من طعامك فإنه يجوز شرعاً لأن الأكل من طعام من اختلط كسبه المباح بالكسب المحرم جائز إن لم يعلم أن عين المأكول حاصل من الحرام، ويدل لذلك ما في الحديث: أن يهودياً دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه. رواه أحمد، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.
ووجه الاستدلال أنه صلى الله عليه وسلم استجاب لدعوة اليهودي، واليهود كانوا يتعاملون بالربا ولا يتورعون عن أخذ المال الحرام. وعليك أن لا تغضبي عليهن إذا تورعن عن الأكل من طعامك. ويتعين عليك إذا أمكنك الإنفاق على نفسك من مالك الخاص أو تحرضي زوجك على أن ينفق عليك مما تأكد من سلامته من الحرام أن تفعلي، وكذلك أن لا تكرمي ضيوفك إلا بما علمت مشروعية أكله، وراجعي للمزيد في الموضوع الفتاوى التالية: 36998، 34460، 44171.
والله أعلم.