الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما أفتينا به في الفتوى التي أشرت إلى رقمها، والمتضمنة أنه إذا كانت الجهات المختصة قد أثبتت عدم خطإ سائق الشاحنة، فلا دية عليه ولا كفارة، لقاعدة: "ما لا يمكن التحرز منه لا ضمان فيه" هو الصواب إن شاء الله.
والمحكمة إذا لم يقم لديها الدليل الكافي على رعونة السائق أو إهماله فليس أمامها إلا تبرئته، ولو كان في حقيقة الأمر قد ارتكب الخطأ. إذ لا يتأتى في القانون إدانته جنائيا إلا إذا توافر الدليل على ثبوت هذه الرعونة في حقه إما بشهادة أو اعتراف أو قرائن كآثار الفرامل والسرعة ونحوها ...
وذلك لأن الأصل أن يحمل المسلمون على البراءة من المخالفات حتى يتبين خلاف هذا الأصل.
وإذا برئ الشخص لعدم توفر ما يثبت تخطئته، فإنه لا يبرأ عند الله مما هو مطالب به في نفس الأمر، وبالتالي فإن الدية والكفارة تلزمانه فيما بينه وبين الله إذا كان فعلا قد ارتكب الخطأ.
ولكن وظيفة المحاكم الشرعية هي رفع الخلاف، ومن الأصول التي تعمل بها إذا لم تتوفر الأدلة براءة الذمة، فلا تقرر دية أو كفارة قتل بمجرد الشك.
ثم ما ذكرته من أن المباشر ضامن وإن لم يثبت تعديه صحيح، فقد صرح علماء الأصول والفقه أن حدوث الضرر نتيجة المباشرة يوجب التعويض.
فمن ذلك قولهم مثلا: "يضمن المباشر وإن لم يكن متعديا"، وقولهم " المباشر ضامن وإن لم يتعمد".
ولكن كل ذلك في الجناية التي ارتكبها المرء خطأ، وموضوع السؤال ليس من هذا القبيل، وإنما هو من قبيل ما لا يمكن التحرز منه، وقد أقر أهل العلم أنه لا ضمان فيه.