الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الحب أنواع ومنه حب الرجل امرأة غير زوجته، وهذا لا يلام عليه إن كان وقع من غير قصد، كمن يعشق امرأة نظر إليها فجأة فتعلق قلبه بها، لأنه خارج عن كسبه وإرادته، والله سبحانه إنما يحاسب الإنسان على كسبه وعمله الداخل تحت إرادته، غير أن ما يحاسب عليه الإنسان هو ما ينتج عن هذا الحب من أفعال وأقوال ونحوها، فإذا ابتلي رجل بحب امرأة كحال السائل فاتقى الله تعالى وغض طرفه، حتى إذا وجد سبيلاً إلى الزواج منها تزوجها، لقوله صلى الله عليه وسلم: لم ير للمتحابين مثل النكاح. رواه ابن ماجه.
وإلا صرف قلبه عنها، لئلا يشتغل بما لا فائدة من ورائه، فيضيع حدود الله وواجباته، فهذا لا يؤاخذ على هذا الحب، ولا يلام عليه، وقد ورد في الحديث: من عشق وكتم وعف فمات، فهو شهيد. وفي سنده ضعف، لكن معناه صحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد أن ذكر هذا الحديث: لكن المعنى الذي ذكره دل عليه الكتاب والسنة، فإن الله أمرنا بالتقوى والصبر، فمن التقوى أن يعف عن كل ما حرمه الله من نظر بعين، ومن لفظ لسان، ومن حركة بيد ورجل. انتهى
وأما الآخر فهو من دفعه هذا الحب إلى أن يطلق نظره ويشغل قلبه، ويضيع حدود الله وواجباته، فهذا الذي يوصف بالحرمة، ويأثم على ذلك، وهو إن وصل إلى هذا الحد فيكون مرضا يطلب له العلاج، وتقدم في الفتوى رقم: 9360 علاج داء العشق، فيلزم مراجعته.
وعليه، فنوصي السائل الكريم بأن يتقي الله وهو في هذا السن ويراقبه، ويصرف قلبه عن هذه المرأة المتزوجة، وأن لا يكلمها ولا ينظر إليها، ونوصيه أن يصرف همه إلى زوجته وأولاده وأن يداوم على قراءة القرآن والإكثار من الدعاء بأن يعافيه الله من هذا البلاء.
وأن يحذر من إفساد هذه المرأة على زوجها وتدمير أسرتها، فإن هذا من التخبيب الذي نهى الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: ليس منا من خبب امرأة على زوجها. أخرجه أحمد واللفظ له، والبزار وابن حبان في صحيحه.
كما نوصيه بالتوبة إلى الله عز وجل مما فعل من النظر إلى هذه المرأة، يقول تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ {النور: 30}.
ولعل ما تغير من أحواله عقاب عاجل على هذا الذنب، فليتق الله وليغض بصره، ومن خير ما يشتغل به من بلغ هذا السن التوجه إلى الله، والاستعداد للقائه والنظر فيما ينفع في الدار الآخرة.
والله نسأل أن يعافينا جميعاً، وأن يحسن ختامنا إنه ولي ذلك، والقادر عليه.
والله أعلم.