الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فجزاك الله خيراً أخي الكريم لحرصك على العمل المصرفي الإسلامي في أن يواكب تطورات العصر، أما عن سؤالك فقد اشتمل على عدة أمور:
الأمر الأول: كون البنوك الإسلامية تأخذ من العمولات أكثر من البنوك الربوية، وذلك لا يبيح لنا أن نتعامل مع البنوك الربوية في الربا والحرام، ولنعتبر الزيادة التي يأخذها البنك الإسلامي تبرعا منا في دعم العمل المصرفي الإسلامي، ولعل البنوك الإسلامية إذا لم ترفع العمولة أكثر من البنك الربوي سيؤدي ذلك إلى إغلاقها فمن يدري؟
وليس المراد بالبنوك الإسلامية مجرد الاسم، بل المراد به انضباط البنك بالضوابط الشرعية في تعاملاته، ومن شرط ذلك وجود لجنة للرقابة الشرعية تشرف على تعاملات البنك، وكلما كانت اللجنة أكثر علماً وورعاً كان البنك أكثر انضابطاً.
والأمر الثاني: حكم التعامل مع البنوك الربوية: وذلك راجع إلى نوع المعاملة فقد تكون مجرد حوالة من الشخص أو إلى الشخص، وقد تكون مرابحة إسلامية كما في بعض فروع البنوك الربوية.
وقد تكون -وهو الغالب- قرضاً أو اقتراضاً بالربا فذلك لاشك أنه حرام، ومن ذلك فتح الحساب الجاري لأن فاتح الحساب يعلم قطعاً أنهم سيرابون بماله، ولا يخفى أن ذلك إعانة على الحرام، والله تعالى يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة: 2}.
والضابط العام في الحكم على معاملة ما بالحل أو الحرمة هو انضباط تلك المعاملة أو عدم انضباطها بالضوابط الشرعية ولو بالحد الأدنى منها.
إذن فليست كل المعاملات مع البنوك الربوية حراماً، بل منها الحلال ومنها الحرام بحسب نوع المعاملة، ومع ذلك فالأفضل هو اجتناب التعامل مع البنوك الربوية ولو بالحلال، لأن معاملة من ماله مختلط في الحلال مكروهة.
الأمر الثالث: إذا اضطر الشخص للتعامل مع البنك الربوي في الحرام، فلا حرج عليه في ذلك، لكن ما هو حد الضرورة التي تبيح ذلك؟ إنها أن يبلغ الشخص حالاً لو لم يتعامل بالحرام لهلك أو قارب على الهلاك، ويشترط أيضاً أن لا يجد ما يسد به ضرورته من الحلال، فمن التعامل المحرم إلا للضرورة أن يقترض بربا ليأكل أو ليتعالج، وكذا إذا كانت الدولة تلزم الشخص بأن يفتح حساباً في بنك ربوي لتنزل له راتبه فيه، ومن ذلك ألا توجد في البلد بنوك إسلامية وخاف الشخص على ماله من الهلاك فيفتح حساباً جارياً ليحفظ ماله.
والأمر الرابع: ضرورة الرجوع إلى أهل الخبرة من الاقتصاديين ونحوهم عند إصدار الأحكام على البنوك وغيرها من المعاملات المالية.
وهذا أمر لابد منه، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وهذا هو الذي تفعله المجامع الفقهية عند إصدار قراراتها حيث يحضر المناقشات خبراء اقتصاديون عالميون يشرحون للمتخصصين بالشريعة الواقع على وجهه ثم تصدر المجامع قراراتها.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.