الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن اليمين الكاذبة التي يحلفها صاحبها لينفق سلعته تعد كبيرة من كبائر الذنوب، والأحاديث في الزجر عن ذلك كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب. رواه مسلم.
وذلك أيضاً من الغش والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: من غش فليس منا. رواه مسلم.
وذلك أيضاً سبب في محق البركة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما. رواه البخاري ومسلم.
ولكن هذا الحلف الكاذب في البيع وإن كان صاحبه آثماً عاصياً لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، إلا أنه لا يؤثر على صحة العقد، فالعقد صحيح تترتب عليه آثار العقد الصحيح فينتقل به المال إلى البائع وينتقل المبيع إلى المشتري ولو كان المشتري مغبوناً، إلا أن له الخيار فله أن يمضي العقد وله أن يفسخه.
قال النووي في المجموع: إن باع ولم يبين العيب صح البيع مع المعصية، قال الشافعي رحمه الله في المختصر: وحرام التدليس ولا ينقض به البيع. وجملة القول في ذلك أن البائع إذا باع سلعة يعلم أن فيها عيباً، فإما أن يشترط فيها السلامة مطلقاً أو عن ذلك العيب، وإما أن يطلق، فإن أطلق واقتصر على كتمان العيب وهي مسألة الكتاب، فمذهبنا وجمهور العلماء أن البيع صحيح، ونقل المحاملي والشيخ أبو حامد وغيرهما عن داود أنه لا يصح، ونقله ابن المغلس عن بعض من تقدم من العلماء أيضاً.
واحتج أصحابنا بحديث المصراة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل مشتري المصراة بالخيار إن شاء أمسك وإن شاء رد مع التدليس الحاصل من البائع بالتصرية، وهي عيب مثبت للخيار بمقتضى الحديث، فدل على أن التدليس بالعيب وكتمانه لا يبطل البيع. انتهى.
والله أعلم.