الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الحكم على العطور -كما قرأت- يرجع إلى أصل المواد المكونة لها، فإن كانت طاهرة فهي مباحة ما لم يترتب على استعمالها ضرر.
وإن كانت مركبة من مواد نجسة كالكحول ونحوها، فإن الحكم فيها حينئذ المنع، إذا لم تستحل هذه الأعيان استحالة تامة عن وضعها السابق، وتتحول إلى أعيان أخرى طاهرة.
ويمكن معرفة ما إذا كانت هذه المواد قد استحالت استحالة كاملة إذا كانت قد تحولت إلى مواد مباينة تماما لما كانت عليه، بأن صارت رماداً مثلاً، أو تراباً أو ملحا، أو تخللت بعد أن كانت خمراً ونحو ذلك... قال ابن القيم في إعلام الموقعين: ومن الممتنع بقاء الخبيث وقد زال اسمه ووصفه، والحكم تابع للاسم والوصف دائر معه وجودا وعدما، فالنصوص المتناولة لتحريم الميتتة والدم ولحم الخنزير والخمر لا يتناول الزروع والثمار والرماد والملح والتراب والخل لا لفظاً ولا معنى ولا نصاً ولا قياساً.
وأما تحولها إلى مواد مشابهة في الظاهر لما كانت عليه، وتفترق معها من ناحية التركيبة الكيماوية، فذاك إنما يعرفه أهل الاختصاص بعلم الكيمياء، وإذا لم يحصل اليقين به، فإنها لا تنتقل عن حكم النجاسة، لأن الأصل فيها النجاسة، والأصل لا ينتقل عنه إلا بيقين.
والله أعلم.