الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن على الأخ السائل أن يعلم أن السلس عند المالكية يعتبر ناقضاً إلا إذا كان يلازم كل الوقت أو جله أو نصفه بشرط أن لا يقدر المصاب به على علاجه، قال في منح الجليل عند قول خليل في مختصره في الفقه المالكي وهو يعطف على ما ينقض الوضوء كسلس مذي قدر على رفعه (أي) بتداوٍ أو صوم لا يشق عليه أو تزوج أو تسر ويغتفر له زمن التداوي والخطبة والشراء، فإن لم يقدر على رفعه ففيه الأقسام السابقة ملازمة الكل أو الجل أو النصف وحكمها العفو والأقل وحكمه النقض ولا مفهوم لمذي إذ كل سلس قدر على رفعه ناقض مطلقاً وألا فالأقسام الأربعة.
فإذا تبين لك هذا فاعلم أننا في هذا الموقع نعتمد في الفتوى على ما قوي دليله في نظرنا، وعند التكافؤ نعتمد على قول أكثر أهل العلم ما لم يصطدم بالدليل، ولذلك نفتي أن الراجح في هذه المسألة هو وضوء صاحب السلس ومن في حكمه عند كل صلاة بعد دخول وقتها، ولا يعني ذلك أن رأي الإمام مالك في هذا كان خطأ، مع أننا لم نهمل رأيه في هذه المسألة في فتاوانا، وللتأكد من ذلك راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3861، 15270، 41812.
وما ذكر من أن مالكاً رحمه الله احتج بأن الحديث ليس فيه توضئي لكل صلاة صحيح، قال الزرقاني: قال ابن عبد البر: ليس في حديث مالك ذكرالوضوء لكل صلاة على المستحاضة وذكر في حديث غيره فلذا كان مالك يستحبه لها ولا يوجبه كما لا يوجبه على صاحب السلس.
وما ذكرت عن بعض أهل العلم من أنه يجوز لصاحب السلس أن يتوضأ قبل دخول الوقت بدقائق إلى آخره محل خلاف بين أهل العلم، فعند المالكية والأحناف على تفصيل عندهم لا يشترط لوضوء صاحب السلس أن يكون بعد دخول الوقت وهذا موافق لما ذكر، مع أننا كنا نود من السائل نقل عبارة الشيخ في المسألة المذكورة.
ومذهب الشافعية والحنابلة أن وضوء صاحب السلس ومن في حكمه لا بد أن يكون بعد دخول الوقت، قال النووي في المجموع في الفقه الشافعي: مذهبنا أنه لا يصح وضوء المستحاضة لفريضة قبل وقتها ووقت المؤداة معروف ووقت المقضية بتذكرها قال: وحكى إمام الحرمين وجهاً أنها لو شرعت في الوضوء قبل الوقت بحيث أطبق آخره على أول الوقت صح وضوؤها وصلت به فريضة الوقت وهذا ليس بشيء ودليل المذهب أنها طهارة ضرورة، فلا يجوز شيء منها قبل الوقت لعدم الضرورة، وقال أبو حنيفة: يجوز وضوؤها قبل الوقت. انتهى.
ومعلوم أن وضوء صاحب السلس له حكم وضوء المستحاضة، وقال في مطالب أولي النهى ممزوجاً بغاية المنتهى في المذهب الحنبلي: ويلزم من حدثه دائم وضوء لوقت كل صلاة إن خرج شيء، لقوله صلى الله عليه وسلم في المستحاضة وتتوضأ عند صلاة. انتهى.
والذي يتلخص من السؤال هو هل يجوز لصاحب السلس أن يجمع بين الظهرين والعشاءين جمعاً صورياً بوضوء واحد، وهل يجوز الوضوء قبل الوقت بدقائق؟ فالجواب: أن وضوء صاحب السلس قبل الوقت مختلف في صحته كما سبق بيانه، والذي يترجح هو أنه لا بد أن يكون بعد دخول وقت الصلاة لقوة أدلة القائلين بهذا القول.
أما الجمع الصوري لصاحب السلس فجائز عند المالكية كما يجوز لغيره، قال أبو الحسن في كفاية الطالب الرباني في شرح الرسالة: وأما الجمع الصوري فجائز لذي العذر وغيره، وقال خليل في مختصره: وللصحيح فعله -يعني الجمع الصوري.
وإذا جاز لغير عذر فجوازه لصاحب السلس من باب أولى، ولا مانع يمنع صاحب السلس منه عندهم.
وصرح الشوكاني في السيل الجرار بجواز الجمع بجميع أشكاله لصاحب السلس والمستحاضة قال : ولهما أي المستحاضة وصاحب السلس جمع التقديم والتأخير، والمشاركة بوضوء واحد.
والذي ننصحك به هو الخروج من الخلاف، وذلك بالوضوء لكل صلاة بعد دخول وقتها لأن من أهل العلم من لا يرى السلس سبباً للجمع؟، ومنهم من يقول لا يصلي ذو السلس بوضوء واحد أكثر من فريضة مؤداة أو مقضية وهو قول قوي جداً.
وإذا توضأت بعد دخول الوقت وأخرت الصلاة لأمر يتعلق بها فلا يضر ذلك، قال ابن قدامة في المغني: فإن دخل في الصلاة عقب الطهارة أو آخرها لأمر يتعلق بمصلحة الصلاة كلبس الثياب وانتظار الجماعة أو لم يعلم أنه خرج منه شيء جاز. انتهى.
وإن كان الوضوء لكل صلاة يشق بك فقد قدمنا أن الجمع جائز عند بعض العلماء ولك أن تأخذ بقولهم إضافة إلى مذهب مالك في وضوء صاحب السلس، وإذا أردت الجمع الصوري فلا يعكر عليك ما ذكر في الفتوى التي أشرت إليها من تحديد ما بين المغرب والعشاء بنصف سدس الليل، فإننا لم نذكر ذلك على أنه تحديد شرعي يعرف به ما بين الوقتين، وإنما ذكرناه جواباً لقول السائل وهل هناك مدة معينة، فذكرنا له ما ذكره النووي بصيغة قيل مع أننا بينا في الفتوى المذكورة التحديد الشرعي المعتبر وهو أن وقت المغرب يبدأ بغروب الشمس ويستمر إلى ذهاب الشفق الأحمر على مذهب الجمهور، فإذا غابت الحمرة دخل وقت العشاء فيمكن لمن أراد الجمع الصوري أن يتوضأ في الفترة التي تسبق غياب الشفق الأحمر ويصلي المغرب، فإذا غاب الشفق الأحمر دخل وقت العشاء فيصليها أيضاً.
والله أعلم.