الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فيوم القيامة يوم عظيم ويوم رهيب، قال الله تعالى في شأنه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ {الحج:2}، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يحشر الناس حفاة عراة غرلا، قالت عائشة: فقلت الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: الأمر أشد من أن يهمهم ذلك. وفي رواية: من أن ينظر بعضهم إلى بعض. رواه الشيخان.
وفي الصحيحين عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله: يا آدم فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك، قال: يقول أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار، قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون فذاك حين يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد فاشتد ذلك عليهم، فقالوا: يا رسول الله أينا ذلك الرجل، قال: أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج ألفا ومنكم رجل، ثم قال: والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة، قال: فحمدنا الله وكبرنا، ثم قال: والذي نفسي بيده أني لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة، إن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالرقمة في ذراع الحمار. وقد تكلم المفسرون وشراح الحديث على الإشكال الذي ذكر السائل، قال النووي في شرح مسلم عند شرح حديث أبي سعيد: قوله صلى الله عليه وسلم: فذاك حين يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد. معناه موافقة الآية في قوله تعالى: إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ. وقوله تعالى: فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا. وقد اختلف العلماء في وقت وضع كل ذات حمل حملها وغيره من المذكور فقيل عند زلزلة الساعة قبل خروجهم من الدنيا وقيل هو في القيامة فعلى الأول هو على ظاهره وعلى الثاني يكون مجازاً لأن القيامة ليس فيها حمل ولا ولادة وتقديره ينتهي به الأهوال والشدائد إلى أنه لو تصورت الحوامل هناك لوضعن أحمالهن كما تقول العرب أصابنا أمر يشيب به الوليد يريدون شدته. والله أعلم.
وقال الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان: مسألة: اختلف العلماء في وقت هذه الزلزلة المذكورة هنا، هل هي بعد قيام الناس من قبورهم يوم نشورهم إلى عرصات القيامة، أو هي عبارة عن زلزلة الأرض قبل قيام الناس من القبور؟ فقالت جماعة من أهل العلم: هذه الزلزلة كائنة في آخر عمر الدنيا، وأول أحوال الساعة، وممن قال بهذا القول: علقمة، والشعبي، وإبراهيم، وعبيد بن عمير، وابن جريج، وهذا القول من حيث المعنى له وجه من النظر، ولكنه لم يثبت ما يؤيده من النقل، بل الثابت من النقل يؤيد خلافه وهو القول الآخر.
وحجة من قال بهذا القول حديث مرفوع، جاء بذلك إلا أنه ضعيف لا يجوز الاحتجاج به، ثم ذكر رحمه الله الحديث من رواية الطبري وتضعيف الطبري له ثم قال: وأما حجة أهل القول الآخر القائلين: بأن الزلزلة المذكورة كائنة يوم القيامة بعد البعث من القبور، فهي ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم من تصريحه بذلك، وبذلك تعلم أن هذا القول هو الصواب كما لا يخفى، ثم ذكر حديث الصحيحين الذي ذكرناه سابقاً من عدة روايات ثم ذكر أن فيه تصريح النبي صلى الله عليه وسلم بأن الوقت الذي تضع فيه الحامل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، هو يوم القيامة لا آخر الدنيا وأن دلالته على المقصود ظاهرة وأنه نص صحيح صريح في محل النزاع، ثم قال: فإن قيل: هذا النص فيه إشكال، لأنه بعد القيام من القبور لا تحمل الإناث، حتى تضع حملها، من الفزع، ولا ترضع، حتى تذهل عما أرضعت، فالجواب عن ذلك من وجهين:
الأول: هو ما ذكره بعض أهل العلم، من أن من ماتت حاملاً تبعث حاملاً، فتضع حملها من شدة الهول والفزع، ومن ماتت مرضعة بعثت كذلك، ولكن هذا يحتاج إلى دليل.
الوجه الثاني: أن ذلك كناية عن شدة الهول كقوله تعالى: يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا. ومثل ذلك من أساليب اللغة العربية المعروفة.
والله أعلم.