الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن المعلوم لدى أهل اللغة والبيان أن الصفات لا تقوم إلا بالذوات، فالمقصود بالوطن أهله ومن له الكلمة فيه . وصفة الرحيم والغفور من صفات الله عزوجل . لكنه ورد إطلاق الرحيم على المخلوق في قوله تعالى : ... عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ {التوبة : 128 } والمقصود بذلك النبي صلى الله عليه وسلم
وأما صفة الغفور بتلك الصيغة فلم يأت إطلاقها على المخلوق، ولكنه ورد يصيغة الفعل كما في قوله تعالى : وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ {الشورى: 43 } ولم يذكر أهل العلم أنها من الصفات الخاصة بالله، ومعلوم أن من الصفات ما هو مشترك يطلق على الخالق وعلى المخلوق، ومنها ماهو خاص بالخالق لا يجوز إطلاقه على المخلوق، ومنها ما هو خاص بالمخلوق لايجوز إطلاقه على الخالق لتضمنه النقص .
وهاتان الصفتان صفة الرحيم والغفور ما دامتا لم يرد تخصيص إطلاقهما على الخالق فلا بأس بإطلاقهما على المخلوق واستعمالهما كشعار عليه، وإن كان الأولى والأحوط عدمه لكون صفة الغفور من صفات الخالق ، ولم يرد في الشرع إطلاقهما على المخلوق، وصفات الخالق يجب تقديسها وتكريمها ومن ذلك عدم إطلاقها اعتباطا .
وقد أفتت اللجنة الدائمة بالمملكة العربية السعودية برئاسة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله بجواز إطلاق الأسماء والصفات المشتركة على الخالق والمخلوق وهي في كل إطلاق بحسبه فقد ورد في الفتوى رقم : 8911 ، قولهم : إن كثيرا من الأسماء مشتركة بين الله تعالى وبين غيره من مخلوقاته في اللفظ والمعنى الكلي الذهني، فتطلق على الله تعالى بمعنى يخصه ويليق بجلاله سبحانه، وتطلق على المخلوق بمعنى يخصه ويليق به فيقال مثلاً الله حليم . وإيراهيم عليه الصلاة والسلام حليم . والله رؤوف رحيم ومحمد صلى الله عليه وسلم رؤوف رحيم . ليس حلم إبراهيم ورأفة محمد مثل حلم الله أو رأفته ورحمته بخلقه . وقد بين ذلك شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في أول رسالته التدمرية، وهكذا غفران الله تعالى وستره لخطايا عباده وتجاوزه عنهم ليس مثل غفران المخلوق وتجاوزه . بل لله تعالى من المغفرة والرحمة ما يخصه وللمخلوق من ذلك ما يخصه .
هذا مع التنبيه إلى أن في إطلاقه العبارة إبهاما كما بينا، فالأولى تركها والاقتصار على ما يختص بالمخلوق ويكثر إطلاقه عليه من الصفات .
والله أعلم .