الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالطاعات تختلف في جواز إهداء ثوابها للغير فمنها ما يصح إهداء ثوابه ومنها ما لا يصح، قال القرافي رحمه الله تعالى: القربات ثلاثة أقسام: قسم حجر الله تعالى على عباده في ثوابه ولم يجعل لهم نقله لغيرهم كالإيمان فلو أراد أحد أن يهب قريبه الكافر إيمانه ليدخل الجنة دونه لم يكن له ذلك، بل إن كفر الحي هلكا معا أما هبة الثواب مع بقاء الأصل فلا سبيل إليه، وقيل الإجماع في الصلاة أيضاً...
وقسم اتفق الناس على أن الله تعالى أذن في نقل ثوابه للميت وهو القربات المالية كالصدقة والعتق.
وقسم اختلف فيه هل فيه حجر أم لا وهو الصيام والحج وقراءة القرآن. انتهى.
والراجح وصول ثواب ذلك إلا أن العلماء قد اختلفوا في قيام الشخص بالواجبات كالزكاة والصلاة وإهداء ثوابها إلى الغير، قال ابن عابدين رحمه الله تعالى: وفي جامع الفتاوى: وقيل: لا يجوز في الفرائض. وفي كتاب الروح للحافظ أبي عبد الله الدمشقي الحنبلي الشهير بابن قيم الجوزية ما حاصله: أنه اختلف في إهداء الثواب إلى الحي، فقيل يصح لإطلاق قول أحمد: يفعل الخير ويجعل نصفه لأبيه أو أمه، وقيل لا لكونه غير محتاج لأنه يمكنه العمل بنفسه، وكذا اختلف في اشتراط نية ذلك عند الفعل، فقيل: لا لكن الثواب له فله التبرع به وإهداؤه لمن أراد كإهداء شيء من ماله، وقيل نعم لأنه إذا وقع له لا يقبل انتقاله عنه، وهو الأولى.
وعلى القول الأول لا يصح إهداء الواجبات لأن العامل ينوي القربة بها عن نفسه وعلى الثاني يصح، وتجزئ عن الفاعل، وقد نقل عن جماعة أنهم جعلوا ثواب أعمالهم للمسلمين، وقالوا: نلقى الله -تعالى- بالفقر والإفلاس، والشريعة لا تمنع من ذلك، ولا يشترط في الوصول أن يهديه بلفظه كما لو أعطى فقيراً بنية الزكاة، لأن السنة لم تشترط ذلك في حديث الحج عن الغير ونحوه، نعم إذا فعله لنفسه ثم نوى جعل ثوابه لغيره لم يكف كما لو نوى أن يهب أو يعتق أو يتصدق ويصح إهداء نصف الثواب أو ربعه كما نص عليه أحمد، ولا مانع منه، ويوضحه أنه لو أهدى الكل إلى أربعة يحصل لكل منهم ربعه فكذا لو أهدى الربع لواحد وأبقى الباقي لنفسه. انتهى ملخصاً.
وقال أيضاً: وفي البحر بحث أن إطلاقهم شامل للفريضة لكن لا يعود الفرض في ذمته لأن عدم الثواب لا يستلزم عدم السقوط عن ذمته. انتهى.
على أن الثواب لا ينعدم كما علمت، وسنذكر فيما لو أهل بحج عن أبويه أنه قيل إنه يجزيه عن حج الفرض، وهذا يؤيد ما بحثه في البحر، ويؤيده أيضاً قوله في جامع الفتاوى، وقيل لا يجوز في الفرائض، وبحث أيضاً أن الظاهر أنه لا فرق بين أن ينوي به عند الفعل للغير أو يفعله لنفسه ثم يجعل ثوابه لغيره لإطلاق كلامهم. انتهى. قلت: وإذا قلنا بشموله للفريضة أفاد ذلك لأن الفرض ينويه عن نفسه، فإذا صح جعل ثوابه لغيره دل على أنه لا يلزم في وصول الثواب أن ينوي الغير عند الفعل، وقدمنا في آخر الجنائز قبيل باب الشهيد عن ابن القيم الحنبلي أنه اختلف عندهم في أنه هل يشترط نية الغير عند الفعل؟ فقيل لا لكون الثواب له فله التبرع به لمن أراد، وقيل نعم وهو الأولى لأنه إذا وقع له لم يقبل انتقاله عنه، وقدمنا عنه أيضاً أنه لا يشترط في الوصول أن يهديه بلفظه كما لو أعطى فقيراً بنية الزكاة لأن السنة لم تشترط ذلك في حديث الحج عن الغير ونحوه، نعم لو فعله لنفسه ثم نوى جعل ثوابه لغيره لم يكف كما لو نوى أن يهب أو يعتق أو يتصدق، وأنه يصح إهداء نصف الثواب أو ربعه. ويوضحه أنه لو أهدى الكل إلى أربعة يحصل لكل ربعه، وتمامه هناك، مطلب فيمن أخذ في عبادته شيئاً من الدنيا.
والحاصل أنه لو نوى بالزكاة إسقاط الفرض عنه وحصول الثواب لوالديه أنه لا بأس بذلك عند طائفة من أهل العلم ومنعه آخرون والذي ننصح به أن يهدي لهما ثواب طاعته المستحبة ويتصدق عنهما نافلة ويدعو لهما.
والله أعلم.