الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه بلفظ: من خلع يدًا من طاعة، لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات، وليس في عنقه بيعة، مات مِيتة جاهلية. قال القرطبي في شرح مسلم: البيعة مأخوذة من البيع، وذلك أن المبايع للإمام يلزمه أن يقيه بنفسه، وماله، فكأنه بذل نفسه، وماله لله تعالى، وقد وعد الله تعالى على ذلك بالجنة، فكأنه حصلت معاوضة، ثم هي (البيعة) واجبة على كل مسلم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من مات وليس في عنقه بيعة، مات مِيتة جاهلية"، غير أن من كان من أهل الحل والعقد، والشهرة، فبيعته بالقول، والمباشرة باليد، إن كان حاضرًا، وبالقول، والإشهاد عليه، إن كان غائبًا.
ويكفي من لا يؤبه له، ولا يعرف أن يعتقد دخوله تحت طاعة الإمام، ويسمع، ويطيع له في السر، والجهر، ولا يعتقد خلافًا لذلك، فإن أضمره فمات، مات ميتة جاهلية؛ لأنه لم يجعل في عنقه بيعة. انتهى.
وفي حاشية الدسوقي المالكي: ويكفي العامي اعتقاد أنه تحت أمره.
وكذلك صرح الحنابلة، والشافعية بأن المعتبر في البيعة هم أهل الحل والعقد من العلماء، والرؤساء، ووجوه الناس، بخلاف العامة، فإنهم لا يلزمهم مبايعة بالقول، ولا بالحضور، بل يلزمهم الطاعة، وعدم الخروج، واعتقاد أنهم تحت أمر الإمام.
والمراد بالميتة الجاهلية ما قاله ابن حجر في الفتح: كموت أهل الجاهلية على ضلال، وليس لهم إمام مطاع؛ لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك، وليس المراد أنه يموت كافرًا، بل يموت عاصيًا، ويحتمل أن يكون التشبيه على ظاهره، ومعناه: أنه يموت مثل موت الجاهلي، وإن لم يكن هو جاهليًّا، أو أن ذلك ورد مورد الزجر، والتنفير، وظاهره غير مراد، ويؤيد أن المراد بالجاهلية التشبيه: قوله في الحديث الآخر: "من فارق الجماعة شبرًا، فكأنما خلع ربقة الإسلام من عنقه". أخرجه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، ومصححًا من حديث الحارث بن الحارث الأشعري في أثناء حديث طويل … انتهى.
فمن كان يعيش في بلاد الغرب، وسمع بوجود إمام مسلم، اجتمع عليه المسلمون، وولاه أهل الحل والعقد، أو جاءته الإمامة عن طريق الاستخلاف، أو التغلب والقهر، وحكم الشرع، لزمه اعتقاد إمامته، والنصح له، والطاعة، ومناصرته، ومعاونته، على قدر الاستطاعة.
وإذا لم يوجد الإمام على الوصف المذكور، فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
على أن المسلمين يجب عليهم دائمًا السعي في تنصيب خليفة عام، يجمع شتاتهم، ويقيم لهم دينهم، ودنياهم، وفق منهج الله جل وعلا، واهتداءً بكتابه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.