الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن النوم وفاة صغرى لا تنقطع فيها الحياة بالكلية ، قال صاحب اللسان : الوفاة : الموت وهي نوعان : وفاة صغرى ويقصد بها النوم ، ووفاة كبرى ويراد بها الموت ، وقد أشار إليها ربنا في قوله : اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى {الزمر: 42} انتهى
وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى : وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ {الأنعام: 60} يقول تعالى : إنه يتوفى عباده في منامهم بالليل وهذا هو التوفي الأصغر؛ كما قال تعالى : إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ {آل عمران: 55} وقال تعالى : اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا {الزمر: 42} فذكر في هذه الآية الوفاتين الكبرى والصغرى
وذكر ابن كثير أيضاً في تفسير قوله تعالى : اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا {الزمر: 42} أن بعض السلف قال : تقبض أرواح الأموات إذا ماتوا وأرواح الأحياء إذا ناموا، فتتعارف ما شاء الله أن تتعارف ، فيمسك التي قضى عليها الموت التي قد ماتت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى .
وقد ذكر ابن عاشور في تفسيره أن حالة النوم حالة انقطاع أهم فوائد الحياة عن الجسد وهو الإدراك ، سوى أن أعضاءه الرئيسية لم تفقد صلاحيتها للعودة إلى أعمالها حين الهبوب من النوم .
وقال القرطبي في المفهم : النوم والموت يجمعهما انقطاع تعلق الروح بالبدن وذلك قد يكون ظاهراً وهو النوم، ولذا قيل النوم أخو الموت، وباطنا وهو الموت ، فإطلاق الموت على النوم يكون مجازاً لاشتراكهما في انقطاع تعلق الروح بالبدن . اهـ
والله أعلم .