الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد كفل الإسلام للطفل حقوقا كثيرة سبق ذكر طرف منها في الفتوى رقم : 47466 ، ومن الحقوق التي كفلها الإسلام للطفل حق التعليم، فأوجب على الآباء والأمهات وسائر الأولياء تعليم الصغار ما يلزمهم بعد البلوغ ، فيعلم الصغير ما تصح به عقيدته من إيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وما تصح به عبادته، فيعرفه ما يتعلق بصلاته وصيامه وطهارته ونحوها ، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم : مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين ، وفرقوا بينهم في المضاجع . ويعرفه تحريم الزنا والسرقة وشرب المسكر والكذب والغيبة وشبهها ، كما يعلمه أنه بالبلوغ يدخل في التكليف ، ويعرفه ما يبلغ به ، وقيل: هذا التعليم مستحب ، ونقل الرافعي عن الأئمة وجوبه على الآباء والأمهات ، وهذا ما صححه النووي .
ودليل وجوب تعليم الصغير قول الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا {التحريم: 6} قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومجاهد وقتادة : معناه علموهم ما ينجون به من النار . وهذا ظاهر ، وثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : كلكم راع ومسؤول عن رعيته . قال القاضي أبو بكر بن العربي : إن الصبي أمانة عند والديه ، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة ، وهو قابل لكل نقش، وقابل لكل ما يمال به إليه ، فإن عُوِّد الخير وعُلِّمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة ، يشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب ، وإن عود الشر وأهمل شقي وهلك ، وكان الوزر في رقبة القيم به والولي عليه ، ومهما كان الأب يصون ولده من نار الدنيا فينبغي أن يصونه من نار الآخرة وهو أولى ، وصيانته بأن يؤدبه ويهديه ويعلمه محاسن الأخلاق، ويحفظه من قرناء السوء ، ولا يعوده التنعم ، ولا يحبب إليه الزينة وأسباب الرفاهية فيضيع عمره في طلبها إذا كبر ويهلك هلاك الأبد ، وينبغي أن يعلمه أيضاً من أمور الدنيا ما يحتاج إليه من السباحة والرمي وغير ذلك مما ينفعه في كل زمان بحسبه ، قال عمر رضي الله عنه : علموا أولادكم السباحة والرماية ، ومروهم فليثبوا على الخيل وثباً . كما يجب على الولي تأديب الصغار بالآداب الشرعية التي تغرس في نفس الطفل الأخلاق الكريمة والسلوك القويم ، كالأمر بأداء الصلاة وغيرها مما هو في طوقه . انتهى من الموسوعة الفقهية بتصرف يسير .
والله أعلم .