الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولاً أن ننبهك إلى أن شرعنا الحكيم قد رغب في ترك الجدال، روى أبو داود بسند حسن: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه.
وفيما يتعلق بموضوع سؤالك، فإنه يحرم على المسلم أن يعمل خادماً عند الكافر، يغسل له ثيابه، أو يكنس له داره، أو يطبخ له طعامه ونحو ذلك.... لأن في ذلك إهانة للمسلم وإذلالاً له، وتعظيماً للكافر، وقد قال الله تعالى: وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً {النساء:141}، وإذا عمل المسلم عند الكفار، فإن كان العمل مباحاً، كخياطة ثوب، أو بناء بيت، أو حمل متاع مباح، جاز بالاتفاق لأنه عقد معاوضة لا يتضمن إذلالا ولا استخداماً، قال ابن قدامة: جاز بغير خلاف نعلمه.
وإن كان العمل محرماً، فلا يجوز بالاتفاق كرعي الخنازير، أو حمل الخمر، أو سقيها... ألخ، لأن فيه إعانة لهم على العصيان، وقد قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}.
ثم إن الذلة هي الصغار وضدها العزة، قال في مختار الصحاح: الذل ضد العز، وقد ذل يذل بالكسر ذلا وذلة ومذلة، فهو ذليل وهم أذلاء وأذلة.
وعرف النبي صلى الله عليه وسلم إذلال النفس بتعريضها ما لا تطيق، قال صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه، قالوا: وما إذلاله لنفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
وانطلاقا من جميع ما ذكر، فإن عمل النظافة في بلاد أجنبية إذا كان داخل بيوت الكفار خدمة لهم، أو كان في أماكن تدار لممارسة أفعال محرمة، فإنه في كلتا الحالتين لا يجوز، وإن كان في أماكن عامة كالشوارع ونحوها مما ليس مخصصاً لفعل الحرام فالظاهر أنه لا حرج فيه.
والله أعلم.