الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فيستحب أن يرسل الشخص السلام إلى غيره، ويجب على من أرسل معه السلام وتحمله منه أن يبلغه لمن أرسل إليه، وإلا كان آثما إذا تعمد عدم البلاغ، أما إذا نسي فلا شيء عليه.
قال الإمام النووي رحمه الله في المجموع: يسن بعث السلام إلى من غاب عنه، وفيه أحاديث صحيحة، ويلزم الرسول تبليغه لأنه أمانة، وقد قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا {النساء: 58} وإذا ناداه من وراء حائط أو نحوه فقال السلام عليك يا فلان، أو كتب كتابا وسلم فيه عليه، أو أرسل رسولا وقال سلم على فلان فبلغه الكتاب والرسول وجب عليه رد الجواب على الفور، صرح به أصحابنا منهم أبو الحسن الواحدي المفسر في كتابه البسيط، والمتولي والرافعي وغيرهم، ويستحب أن يرد على الرسول معه فيقول: وعليك وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، وفيه حديث في سنن أبي داود إسناده ضعيف لكن أحاديث الفضائل يعمل فيها بالضعيف.اهـ
وقال ابن مفلح المقدسي رحمه الله في الآداب الشرعية: ولو سلم الغائب عن العين من وراء جدار أو ستر: السلام عليك يا فلان، أو سلم الغائب عن البلد برسالته أو كتابه وجبت الإجابة عند البلاغ عندنا وعندنا الشافعية لأن تحية الغائب كذلك، ويستحب أن يسلم على الرسول. قيل لأحمد: إن فلانا يقرئك السلام، قال: عليك وعليه السلام، وقال في موضع آخر: وعليك وعليه السلام. وقال: وكذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له رجل: أبي يقرئك السلام قال: عليك وعلى أبيك السلام. وقال الخلال: أخبرني يوسف بن أبي موسى قيل لأبي عبد الله: إن فلانا يقرئك السلام، قال: سلم الله عليك وعليه، وهو معنى ما سبق عندنا ولهذا يجب رد السلام. وقال ابن عبد البر: قال رجل لأبي ذر فلان يقرئك السلام فقال: هدية حسنة ومحمل خفيف. قال الشافعية: ويستحب بعث السلام ويجب على الرسول تبليغه، وهذا ينبغي أن يجب إذا تحمله لأنه مأمور بأداء الأمانة وإلا فلا يجب، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائش هذا جبريل يقرأ عليك السلام. فقالت: وعليه السلام ورحمة الله. زاد البخاري في رواية: وبركاته. زاد أحمد: جزاه الله خيرا من صاحب ودخيل، فنعم الصاحب ونعم الدخيل. فيه دليل على أنه لا يجب الرد على مبلغ السلام وهو الرسول.. ومعنى يقرأ عليك السلام: يسلم عليك. قال في شرح مسلم: وفيه بعث الأجنبي السلام إلى الأجنبية الصالحة إذا لم يخف ترتب مفسدة.. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى جبريل عليه الصلاة والسلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هذه خديجة معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب. متفق عليه.
وعليه، فيلزمك إن كنت تحملت لصديقك تبليغ السلام أن تبلغه لجميع من أرسل لهم صديقك السلام من الأسرة ولا تقتصر على بعضهم ما لم تكن هناك قرينة دالة على قصر سلامه على البعض كالوالدين، فيكفيك حينئذ تبليغ المقصودين من الأسرة فقط، ويمكن أن تبلغهم السلام دفعة واحدة، ويمكن أن تبلغ كل واحد على حدة، ولا مانع من أن توكل بعضهم بتبليغ بعض مع ملاحظة ما مر من أنه يلاحظ في إبلاغ سلام الأجنبي إلى الأجنبية عدم ترتب مفسدة؛ وإلا فلا.
والله أعلم.