الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالعمل في مجال الخمور محرم بأي صورة من الصور؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لعن الله شارب الخمر، وساقيها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريها، وآكل ثمنها، والمشتراة له. رواه ابن ماجه والترمذي عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.
وقال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {المائدة:90}
أما عن النفقة من هذا المال على من تجب نفقتهم على مكتسبه (الزوجة والأبناء والأبوين ونحوهم) فليس عليهم فيها جناح إن لم يكن لهم من المال ما يكفيهم أو يسد حاجتهم، ولا يجوز لأبيك أن يبقى في هذا العمل إلا إذا كان مضطراً إليه، ولا اضطرار مع تمكنه من الوفاء بالنفقات الضرورية على نفسه ومن يعول من مال يملكه، أو عمل مباح يعمله.
أما البقاء لمجرد الحصول على التقاعد كاملاً فليس من الضرورة في شيء، إلا إذا كان راتب التقاعد جزءاً يخصم من راتبه أو تتبرع الشركة التي يعمل بها بدفعه، ولا يمكنه الحصول عليه إلا بإتمام المدة، وكان محتاجاً إلى هذا الراتب بعد تركه للعمل، لأنه في الحالتين (أي حالة كونه من راتبه أو من مال الشركة) مال محرم لا يجوز الانتفاع به إلا عند الضرورة.
ولمعرفة حكم راتب التقاعد بالتفصيل والأدلة راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9285، 29228، 36598، 9531، 9532، 10664.
وإننا لننصح أباك بأن يسارع بالتوبة إلى الله تعالى قبل أن يفجأه الأجل وهو على ذلك، والله تعالى يقبل توبة التائبين، والتوبة لا تتم إلا بترك العمل المحرم، والندم على ما مضى منه، والعزم على عدم العودة إليه في المستقبل، وفي حال الضرورة للبقاء نرجو أن لا يكون عليه إثم إن شاء الله تعالى، فقد قال الله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ {البقرة:173}.
وننبه الأخت السائلة إلى أنه لا يجوز لها أن تعمل في مكان مختلط أو أي عمل محرم آخر لأجل إنقاذ أبيها من العمل الذي يعمله، فالله تعالى سائلك عن ذلك، ولن يغني أحد يوم القيامة عن أحد شيئاً، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا {لقمان:33}.
والله أعلم.