الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الله سبحانه وتعالى قد أنزل كتابه بلسان عربي مبين، وأتى فيه بجميع أساليب البيان والبديع مما حار فيه أرباب اللغة وأساطينها حتى شدهوا أمام بديع أسلوبه وجميل بيانه، فكان معجزة تحدى الله تعالى به من ملكوا أزمة اللغة وذللوا قطوفها تذليلا؛ كما قال: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {هود: 38} فلم يستطيعوا ولن يستطيعوا كما أخبر عنهم في قوله: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا {البقرة: 24}. ومن بديع أسلوبه إتيانه بالمعنى الواحد بعبارات وطرق مختلفة كما في قوله هنا: وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ {القصص: 86} فالإلقاء هنا بمعنى الإعلام والإنزال كما ذكر ابن كثير وغيره، ومعنى الآية أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يطمع في نزول الوحي عليه، قال الزرقاني في مناهل العرفان: لم يكن قبل نبوته يطمع في نبوة ولا يأمل وفي وحي، وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك، وكذلك لم يكن بعد نبوته بالذي يضمن بقاء هذا الوحي وحفظه وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا* إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا، وذلك مثل قوله تعالى : وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ ، قال ابن كثير:أي ما كنت تظن قبل إنزال الوحي إليك أن الوحي ينزل عليك وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ، أي إنما أنزل الوحي عليك من الله من رحمته بك وبالعباد.
والله أعلم