الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقبل الجواب عما سألت عنه نريد أولاً أن ننبهك إلى أن الوالد لا يصح أن يعطي زكاته لابنه إلا إذا كانت نفقة الابن قد سقطت عن الوالد، لكون الابن صار بالغاً قادراً على الكسب، قال ابن عباس رضي الله عنهما: إذا كانوا ذوي قرابة لا تعولهم فأعطهم من زكاة مالك، وإن كنت تعولهم فلا تعطهم ولا تجعلها لمن تعول. رواه الأثرم في سننه.
وفيما يتعلق بموضوع سؤالك، فقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان للدائن أن يعطي الزكاة لمدينه ثم يأخذها منه أم لا، قال خليل: وفي جواز دفعها لمدين ثم أخذها: تردد.
وقال ابن قدامة في المغني: قال مهنا: سألت أبا عبد الله عن رجل له على رجل دين برهن وليس عنده قضاؤه، ولهذا الرجل زكاة مال يريد أن يفرقها على المساكين، فيدفع إليه رهنه ويقول له: الدين الذي لي عليك هو لك. ويحسبه من زكاة ماله. قال: لا يجزئه ذلك. فقلت له: فيدفع إليه من زكاته، فإن رده إليه قضاء مما له، أخذه؟ فقال: نعم، وقال في موضع آخر: وقيل له: فإن أعطاه، ثم رده إليه؟ قال: إذا كان بحيلة فلا يعجبني، قيل له: فإن استقرض الذي عليه الدين دراهم، فقضاه إياها ثم ردها عليه، وحسبها من الزكاة؟ فقال: إذا أراد بها إحياء ماله فلا يجوز...
والذي نراه راجحاً في المسألة أنه إذا لم يتواطئا على استرجاع الزكاة من المدين أنه لا حرج في دفعها له، ثم قبولها منه إذا أرجعها قضاء لدينه، وما ذكرته في آخر السؤال من أن أباك له صديق أعطاه مبلغاً من المال.... فإذا كنت تقصد منه أن صديق أبيك قد أعطاه هذا المبلغ ليفرقه في مصارف الزكاة، فأعطاكه أبوك وتسأل عما إذا كان هذا يجوز، فنقول إن أهل العلم قد كرهوا تخصيص النائب قريبه بما وكل على تفرقته من الزكاة، ففي الشرح الكبير للدردير عند قول خليل: وكره له حينئذ تخصيص قريبه.... قال: (كره له) أي للنائب (حينئذ) أي حين الاستنابه (تخصيص قريبه) أي قريب رب المال وكذا قريبه هو إن كان لا تلزمه نفقته وإلا منع.
والله أعلم.