الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن عائشة رضي الله عنها مع جلالة قدرها وكبير فضلها وغزير علمها لا ندعي لها العصمة بل قد تخطئ كغيرها من البشر، لأن العصمة ليست لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل يؤخذ من قوله ويرد إلا هو, و ظاهر كلام المحدثين وأصحاب السير أن عائشة ولدت بعد المبعث بأربع سنين أو خمس، وتزويجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي بنت ست سنين، وقيل سبع، ودخل بها وهي بنت تسع، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة. ودليل ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج فوعكت فتمزق شعري، فوفى جميمة، فأتتني أمي أم رومان وإني لفي أرجوحة ومعي صواحب لي فصرخت بي فأتيتها، لا أدري ما تريد بي، ثم أخذت شيئاً من ماء فمسحت به وجهي ورأسي ثم أدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت فقلن: على الخير والبركة وعلى خير طائر، فأسلمتني إليهن وأصلحن من شأني فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى، فأسلمتني إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين.
وفي صحيح مسلم عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت سبع، سنين وزفت إليه وهي بنت تسع سنين ولُعَبها معها، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة.
وقد اتفق على هذا المعنى الشيخان في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب, ولم نجد أحداً من شراح الحديث اعترض على هذا التاريخ ولا نقل ما يخالفه.
وأما قضية الإفك فقد كانت في السنة السادسة من الهجرة كما في صحيح البخاري, وقد نقله ابن كثير في البداية عنه ولم يعترضه, وإنما دعمه بروايات أخرى, وكان عمرها آنذاك حوالي خمس عشرة سنة، ولم نر من ذكر عنها أنها كانت بنت ثماني سنوات.
وأما أسماء فقد ذكر ابن هبة الله في تاريخ مدينة دمشق أنها بقيت مائة سنة حتى عميت وماتت بعد قتل عبد الله بن الزبير سنة ثلاث وسبعين بعد ابنها بليال, وذكر هو وابن عبد البر في الاستيعاب أنه قال ابن أبي الزناد: وكانت أكبر من عائشة بعشر سنين.
ونقل ابن هبة الله أيضاً عن أبي نعيم أنها ولدت قبل الهجرة بسبع وعشرين سنة وقبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بعشر سنين وولدت لأبيها الصديق يوم ولدت وله أحد وعشرون سنة توفيت أسماء سنة ثلاث وسبعين بمكة بعد قتل ابنها عبد الله بن الزبير بأيام ولها مائة سنة، وقال الذهبي في السير: إنها ماتت بعد ابنها عبد الله بشهرين أو نحو ذلك ولها قريب من مئة عام.... وقال: كانت أسن من عائشة بسنوات..
ثم نقل الذهبي قول ابن أبي الزناد كانت أكبر من عائشة بعشر سنين، ثم قال: قلت: فعلى هذا يكون عمرها إحدى وتسعين سنة. وأما هشام بن عروة فقال: عاشت مئة سنة ولم يسقط لها سن.
وبناء على استنتاج الذهبي من كون عمرها إحدى وتسعين سنة يتضح أن الذهبي يقر أن عائشة ولدت قبل الهجرة بحوالي ثمان سنوات لأنه بنى على ذلك تحديد عمر أسماء ولم يعترض ذلك بكون أسماء نقل بعضهم أنها عمرت مائة سنة، ثم إن ما في الصحيحين من الروايات التاريخية يتعين تقديمه على ما في سواهما ولا سيما إذا لم نجد من نقل الخلاف عن السلف لما قالت عائشة, ومن هؤلاء عروة وهشام ابنه فقد نقلا كلامها ولم يعترضاه مع أن من أسباب الترجيح كون الراوي صاحب القصة, وعائشة حدثت عن نفسها بما ذكر فلزم تصديقها، وأما ما ذكر من عمر أسماء فلم ينقل فيه إسناد صحيح، وقد تطرقه الاحتمال المؤدي لسقوط الاحتجاج والاستدلال به.
والله أعلم.