الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحكم الشرعي لتلك المسألة هو كما علمتم: للزوج نصف التركة فرضا, وللأخ غير الشقيق الباقي تعصيبا إذا كان لأب, وأما أبناء الأخ الشقيق فهم محجوبون بالأخ لأب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ألحقو الفرائض بأهلها, فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر. متفق عليه. قال النووي في شرحه للصحيح: قال العلماء: المراد بأولى رجل أقرب رجل .. وليس المراد بأولى هنا أحق؛ بخلاف قولهم: الرجل أولى بماله؛ لأنه لو حمل هنا على أحق لخلا عن الفائدة لأنا لا ندري من هو الأحق .
وترتيب العصبة في الأولوية والقرب هو كما قال الجعبري :
فبالجهة التقديم ثم بقربه * وبعدهما التقديم بالقوة اجعلا
وقد تساوى الأخ وأبناء الأخ الشقيق في الجهة فيقدم أقربهم إلى الميت وهو الأخ لأب إذ ليس بينه وبينه واسطة, وينزل منزلة الشقيق هنا, وقد قال تعالى : إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ { النساء : 176 } ومع هذا فإنه يستحب للورثة أن يعطوا أبناء الأخ الشقيق شيئا من مجمل التركة قبل قسمتها امتثالا لقول الله تعالى: وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا { النساء : 8 } ولم نقف فيما اطلعنا عليه على خلاف هذا الأمر سوى ما ذكره بعضهم من القول بوجوب الوصية للأقربين من غير الورثة, وإذا لم يوص لهم بشيء أعطوا من التركة ما تراضى عليه الورثة. قال ابن حزم رحمه الله تعالى في المحلى : وفرض على كل مسلم أن يوصي لقرابته الذين لا يرثون إما لرق وإما لكفر وإما لأن هناك من يحجبهم عن الميراث أو لأنهم لا يرثون، فيوصي لهم بما طابت به نفسه لا حد في ذلك ، فإن لم يفعل أعطوا ولا بد ما رآه الورثة أو الوصي، برهان ذلك قول الله تعالى : الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ { البقرة : 180-181 } فهذا فرض كما تسمع فخرج منه الوالدان والأقربون الوارثون، وبقي من لا يرث منهم على هذا الفرض، وإذ هو حق لهم واجب فقد وجب لهم من ماله جزء مفروض إخراجه لمن وجب له إن ظلم هو ولم يأمر بإخراجه, وبوجوب الوصية للقرابة الذين لا يرثون يقول إسحاق وأبو سليمان. انتهى منه باختصار. وقد بينا طرفا من ذلك في الفتوى رقم : 22734 .
ثم إننا ننبه السائل الكريم إلى أن أمر التركات أمر خطير جداً وشائك للغاية وبالتالي فلا يمكن الإكتفاء فيه ولا الإعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقاً لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة المحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقاً لمصالح الأحياء والأموات
والله أعلم .