الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه ينبغي للمسلم أن يكون مستعداً لصلاته معتنياً بوقتها بحيث يوفق بينه وبين وقت الطعام، فلا يشتغل بالطعام في الوقت الذي يعلم أن الصلاة تقام فيه، لكن لو حضر الطعام وأقيمت الصلاة استحب له تقديم الطعام لا سيما إذا كانت نفسه تتوق إليه، أو كان الطعام يفسده التأخير، ثم يصلي بعد انتهائه منه، هذا إذا حضرت الصلاة قبل أن يبدأ بالطعام، فما بالك بمن أقيمت الصلاة عليه وهو يتعشى، ففي الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام قال: إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء. متفق عليه، وفي لفظ البخاري: إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء، ولا يعجل حتى يفرغ منه. وكان ابن عمر يوضع له الطعام وتقام الصلاة فلا يأتيها حتى يفرغ، وإنه ليسمع قراءة الإمام. وللبخاري أيضاً: إذا كان أحدكم على الطعام فلا يعجل حتى يقضي حاجته منه وإن أقيمت الصلاة.
قال ابن حجر في فتح الباري: قوله: فابدؤوا بالعشاء حمل الجمهور هذا الأمر على الندب، ثم اختلفوا فمنهم من قيده بمن كان محتاجاً إلى الأكل وهو المشهور عند الشافعية، وزاد الغزالي: ما إذا خشي فساد المأكول، ومنهم من لم يقيده وهو قول الثوري وأحمد وإسحاق، وعليه يدل فعل ابن عمر. انتهى.
وقال ابن قدامة في المغني: إذا حضر العشاء في وقت الصلاة فالمستحب أن يبدأ بالعشاء قبل الصلاة، ليكون أفرغ لقلبه وأحضر لباله، ولا يستحب أن يعجل عن عشائه أو غدائه، فإن أنساً روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا قرب العشاء وحضرت الصلاة فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم. انتهى.
ومن هذا يعلم أن الصواب كان مع من أكملوا عشاءهم ثم صلوا بعد ذلك قبل أن يفوت الوقت، والدليل على ذلك هو ما ذكرنا، وأن التأخير عن حضور الصلاة هنا مشروع بسبب الاشتغال بالطعام في حق الفرد فكيف بالجماعة، ثم إن ما استدل به من قطع العشاء وذهب إلى الصلاة ليس حديثاً، ولكنه من كلام وكيع بن الجراح رحمه الله تعالى كما في حلية الأولياء ففيها: وقال وكيع: من تهاون بالتكبيرة الأولى فاغسل يديك منه. انتهى
مع التنبيه على أن صلاة هؤلاء صحيحة وهم مأجورون إن شاء الله تعالى على حرصهم على إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام؛ وإنما تركوا مستحباً فقط وهو تقديم الطعام على الصلاة عند حضورهما معا، والحديث الذي أشار إليه السائل هو قوله صلى الله عليه وسلم: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوها هكذا. رواه البخاري، والمراد هنا صلاة العشاء. انتهى، وللفائدة راجع الفتوى رقم: 1925.
والله أعلم.