الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقبل الجواب عن حكم شرب الماء والإنسان جالس جلسة القرفصاء يحسن أن نبين كيفية جلسة القرفصاء وهي بضم القاف والفاء بينهما راء ساكنة ثم صاد مهملة ومد، قال أبو عبيد: القرفصاء جلسة المحتبي ويدير ذراعيه ويديه على ساقيه. وقال عياض: قيل هي الاحتباء. وقيل: جلسة الرجل المستوفز. وقيل: جلسة الرجل على إليتيه. والاحتباء تارة يكون باليد وتارة بثوب. وقد قال ابن فارس وغيره: الاحتباء أن يجمع ثوبه ظهره وركبتيه، وقيل: القرفصاء الاعتماد على عقبيه ومس إليتيه بالأرض. والذي يتحرر من هذا كله أن الاحتباء قد يكون بصورة القرفصاء؛ لا أن كل احتباء قرفصاء. انتهى ملخصا من فتح الباري .
والسنة أن يشرب الإنسان الماء جالسا ويكره قائما؛ لما رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائما، وفي رواية: نهى عن الشرب قائما. قال قتادة : فالأكل ؟ قال: أشر أو أخبث. وفي رواية عن قتادة عن أبي عيسى الأسواري عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائما، وفي رواية عنهم: نهى عن الشرب قائما. وفي رواية عن عمر بن حمزة قال: أخبرني أبو غطفان المري أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يشربن أحدكم قائما، فمن نسي فليستقئ. وعن ابن عباس: سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من زمزم فشرب وهو قائم، وفي الرواية الأخرى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب من زمزم وهو قائم. وفي صحيح البخاري: أن عليا رضي الله عنه شرب قائما وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت.
قال الإمام النووي -رحمه الله- بعد إيراد هذه الأحاديث: اعلم أن هذه الأحاديث أشكل معناها على بعض العلماء حتى قال فيها أقوالا باطلة وزاد حتى تجاسر ورام أن يضعف بعضها وادعى فيها دعاوى باطلة لا غرض لنا في ذكرها ولا وجه لإشاعة الأباطيل والغلطات في تفسير السنن؛ بل نذكر الصواب ويشار إلى التحذير من الاغترار بما خالفه، وليس في هذه الأحاديث بحمد الله تعالى إشكال ولا فيها ضعف بل كلها صحيحة، والصواب فيها أن النهي فيها محمول على كراهة التنزيه، وأما شربه صلى الله عليه وسلم قائما فبيان للجواز فلا إشكال ولا تعارض.
فتبين بهذا أن السنة أن يشرب الإنسان جالسا على هيئة من هيئات الجلوس، ولا نعلم أن لشرب الماء جالسا جلسة القرفصاء خصوصية ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.