الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمصافحة النساء من غير المحارم قد اتفق الأئمة الأربعة على تحريمها، إلا أن تكون المرأة عجوزا قد بلغت حدا من الشيخوخة لا يشتهى مثلها. فعن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له. رواه الطبراني والبيهقي. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وقال المنذري: رجاله ثقات.
وأما ما سمعته من أستاذك من أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صافح النساء نيابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو خبر لم يثبت، وعلى افتراض ثبوته فله تفسير يخرجه عما زعمه أستاذك.
فقد أورد القرطبي في تفسيره عن أم عطية قالت: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع نساء الأنصار في بيت، ثم أرسل إلينا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فقام على الباب وسلم علينا فرددن أو فرددنا عليه السلام، ثم قال: أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكن، قالت: فقلن: مرحبا برسول الله، وبرسول رسول الله، فقال: تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئا ولا تسرقن ولا تزنين، قالت: فقلنا: نعم، قالت: فمد يده من خارج الباب أو البيت، ومددنا أيدينا من داخل البيت، ثم قال: اللهم اشهد.
فهذا كلام أم عطية ـ رضي الله عنها ـ وليس فيه ما يدل على المصافحة ولا على إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك.
وقد رد الحافظ ابن حجر هذا الأثر مستدلا بحديث عائشة رضي الله عنها لما قالت: لا والله ما مست يده صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط في المبايعة. فقال: وكأن عائشة أشارت بذلك إلى الرد على ما جاء عن أم عطية. انظر: فتح الباري (8/488).
والأثر على فرض صحته يمكن أن يجاب عنه بأن مد الأيدي من وراء حجاب فيه إشارة إلى وقوع المبايعة، وإن لم تقع المصافحة.
قال الشيخ الألباني عن هذه الروايات في مصافحة النساء في البيعة: وكلها مراسيل لا تقوم الحجة بها، وتراجع الفتوى رقم: 1025.
والله أعلم.