الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأخذ بالأحوط في الأحكام الشرعية هو ما يسميه العلماء: الخروج من الخلاف، وهو مستحب عند أهل العلم، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث النعمان بن بشير المتفق على صحته، قال: إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، وحمى الله محارمه. وهذا لفظ مسلم.
ويكون الخروج من الخلاف بفعل ما اختلف في وجوبه، وترك ما اختلف في تحريمه.
فإذا اختلف العلماء في صحة ذكاة مذبوح معين فالأحوط هو عدم الأكل منه ولو كان القول بعدم حليته مرجوحا.
ولو اختلفوا في وجوب عبادة معينة كان الأحوط التزام تلك العبادة ولو كان القول بعدم وجوبها راجحا.
وأحيانا قد لا يوجد قول أحوط في مسألة معينة، وفي تلك الحالة يلزم الأخذ بالقول الراجح.
فمثلا لو افترضنا أن عدلا واحدا رأى هلال رمضان، فإن الصوم يجب عند جمهور أهل العلم من الحنفية والشافعية والحنابلة، ولا يجب عند المالكية. فإذا كمل ثلاثون يوما من يوم رؤية ذلك العدل ولم ير الهلال، فإن الفطر يجب عند من أوجبوا الصوم برؤية العدل الواحد وهم الجمهور، ولا يجوز الفطر عند المالكية.
وهنا لا يوجد أحوط في المسألة، لأن من صام يكون قد صام يوم العيد في مذهب الجمهور وذاك محرم، ومن أفطر يكون قد أفطر في يوم من رمضان في مذهب المالكية، وذاك محرم أيضا.
فالواجب في مثل هذه الحالة هو العمل بالراجح وهو هنا مذهب الجمهور.
وهذا الجواب فيه رد على أكثر أسئلتك.
واعلم أنه ليس من المفروض أن تتعامل مع عالم واحد فقط، بل لك أن تسأل من تثق بعلمه ودينه من أهل العلم ما دمت لست أهلا للنظر في الأقوال والترجيح بينها.
وأما سؤالك عما إذا كان إرغامك لزوجتك على أن تتعامل بالأحوط يكون عليك فيه إثم أم لا؟ فالظاهر أنه ليس من حقك أن ترغمها على أن تتعامل بالأحوط، لأنها إما أن تكون عالمة فتتعبد الله بما ترجح عندها، وإما أن تكون مقلدة فتقلد الموثوق في علمه ودينه عندها.
وإذا ثبت أنه ليس من حقك إرغامها على هذا الأمر، فلا شك أنك ستكون آثما إذا أرغمتها على أمر ليس لك الحق فيه.
والله أعلم