الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالظاهر -والله أعلم- أنه إذا احتاج إلى الإنعاش شخصان أحدهما ميؤوس من حياته طبياً، والآخر يرجى برؤه إذا عولج، ولم يتوفر إلا جهاز واحد للإنعاش، أن الذي يقدم فيه هو ذلك الذي يرجى برؤه، تغليباً لما هو مرجو على ما هو ميؤوس منه.
وأما لو كان يتوفر من الأجهزة ما يكفي الاثنين معا، أو أن الجهاز قد رُكب بالفعل للميؤوس منه قبل حضور من يرجى برؤه، فالذي نرجحه أنه لا يجوز ترك إنعاشه أو نزع الجهاز منه لصالح غيره، لأن ذلك قتل له.
وينبغي أن نعلم أن اليأس من الشفاء هو قنوط من رحمة الله تعالى، وقد قال تعالى: قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ {الحجر:56}، وقال تعالى: وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف:87}، ومن يدري؟ فلعل ما يعجز عنه الطبيب يكون شفاؤه من عند الله بلا سبب، أو بسبب له دواء لا يعلمه المريض أو الطبيب المعالج، قال صلى الله عليه وسلم: ما من داء إلا أنزل الله له دواء علمه من علمه وجهله من جهله. أخرجه النسائي. ولمسلم عن جابر يرفعه: ما من داء إلا وله دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله.
هذا هو الذي نرى رجحانه، مع أن المسألة محل خلاف بين أهل العلم، وكنا قد بينا أقوالهم فيها وما عليه المجمع الفقهي، ولك أن تراجع فيها فتوانا رقم: 19923.
ولم نقف للجنة الدائمة للإفتاء على شيء في هذه المسألة.
وأما أمر الطبيب (خطياً في الملف الطبي أو شفهياً) بعدم إنعاش المريض الميؤوس من حالته طبياً، فإن إباحته أو حرمته تتبعان لما يتقرر عند الإنسان من إباحة ترك الإنعاش أو عدم إباحته، ولا يلزم إخبار الأهل بذلك، إلا أنه إذا كان يعلم أن الإخبار به لا تترتب عليه مفسدة جاز له أن يخبرهم وإلا لم يجز.
والله أعلم.