الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الذي أجنب، وليس عنده من الماء إلا قليل، لا يكفيه للغسل من الجنابة؛ عليه أن يستعمل هذا الماء القليل، ثم يتيمم لباقي الأعضاء، التي لم يسعها الماء، وهذا قول الحنابلة، والشافعية، وعبدة بن أبي لبابة، ومعمر، وأدلتهم على ذلك:
أولًا: أن القرآن والسنة شرطا للتيمم عدم الماء، وفي هذه الحال يوجد شيء من الماء، فلا بدّ من استعماله أولًا ليتحقق فقد الماء، قال تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء:43]، وقال صلى الله عليه وسلم: إن الصعيد الطيب طهور المسلم - وإن لم يجد الماء عشر سنين-، فإذا وجد الماء، فليمسه بشرته، فإن ذلك خير. رواه الترمذي، والحاكم، وصححه، ووافقه الذهبي.
وثانيًا: قوله صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر، فأتوا منه ما استطعتم. متفق عليه.
وقد أمرنا بالماء لرفع الحدث، وليس معنا إلا القليل، فنطيع باستعمال القليل منه الموجود، وهذا ما نستطيعه.
وقال الأحناف، والمالكية، والحسن، والزهري، وحماد: يتيمم فقط، ويترك ما معه من ماء قليل؛ لأن هذا الماء لا يطهره طهارة كاملة، فلم يلزموه استعماله.
ومما يجدر التنبه له أن الواجب في الغسل هو أن يعمّ الماء جميع الجسد، وهذا عادة يكفيه القليل من الماء؛ لمن أتقن التعامل مع القليل.
والله أعلم.