الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فكتابة آيات من القرآن على ورق، أو لوح، أو طبق، أو إناء، وغسله بالماء، وشرب المريض لتلك الغسلة، يستشفي بها، هذا مما اختلف أهل العلم في جوازه، فالبعض رأى أنها بدعة، قال ابن العربي في عارضة الأحوذي: وهي بدعة من الشيطان. انتهى.
لكن قد أجازها بعض السلف، وروي فيها حديث موقوف عن ابن عباس، قال ابن القيم في زاد المعاد: ورأى جماعة من السلف أن تكتب الآيات من القرآن، ثم يشربها، وذكر ذلك عن مجاهد، وأبي قلابة. انتهى. وقال النووي في المجموع شرح المهذب: لو كتب القرآن في إناء، ثم غسله، وسقاه المريض، فقال الحسن البصري، ومجاهد، وأبو قلابة، والأوزاعي: لا بأس به، وكرهه النخعي.
قال: ومقتضى مذهبنا، أنه لا بأس به، فقد قال القاضي حسين، والبغوي، وغيرهما: لو كتب قرآنًا على حلوى، وطعام، فلا بأس بأكله. انتهى. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: ويجوز أن يكتب للمصاب، وغيره من المرضى شيئًا من كتاب الله، وذكره، بالمداد المباح، ويغسل، ويسقى، كما نص على ذلك أحمد، وغيره، قال عبد الله بن أحمد: قرأت على أبي حدثنا... عن ابن عباس قال: إذا عسر على المرأة ولادتها، فليكتب: بسم الله، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) [النازعات:46]، (كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) [الأحقاف:35]، قال أبي: حدثنا أسود بن عامر بإسناده بمعناه، وقال: يكتب في إناء نظيف، فيسقى. قال أبي: وزاد فيه وكيع: فتسقى، وينضح ما دون سرتها. قال عبد الله: رأيت أبي يكتب للمرأة في جام، أو شيء نظيف. انتهى.
وقد تعرضت اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية لهذه المسألة في عدة فتاوى، فرأت أن الأولى تركها، في الفتوى: 6779، والفتوى: 1257، وأجازتها في الفتوى: 143، والفتوى: 1515.
وعليه؛ فلا نرى بأسًا في فعل ذلك؛ بشرط أن يكتب القرآن بمداد طاهر، وعلى شيء طاهر.
ويحذر مما يقع فيه بعض الجهال من كتابة القرآن بالدم؛ لأنه نجس، ولا يجوز تعريض كتاب الله، وآياته لمثل هذا، قال ابن مفلح الحنبلي في الآداب الشرعية: وكان الشيخ تقي الدين -أي: ابن تيمية رحمه الله- يكتب على جبهة الراعف: (وقيل: يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر).
قال: ولا يجوز كتابتها بدم، كما يفعله الجهال، فإن الدم نجس، فلا يجوز أن يكتب به كلام الله. انتهى.
والأولى لمن يفعل ذلك أن يشربه، ولا يغتسل به، فقد روي عن الإمام أحمد كراهة الاغتسال به، قال ابن مفلح الحنبلي في الآداب الشرعية: قال الخلال: إنما كره الغسل به؛ لأن العادة أن ماء الغسل يجري في البلاليع، والحشوش، فوجب أن ينزه ماء القرآن من ذلك، ولا يكره شربه؛ لما فيه من الاستشفاء. انتهى.
ويشترط أيضًا أن يكون المكتوب آيات من القرآن، أو من ذكر الله، أو دعائه بكلام مفهوم.
أما الطلاسم، وما لا يفهم معناه، وما احتوى على تعاويذ شركية، فلا يجوز كتابته؛ لما أخرجه مسلم، وأبو داود، عن عوف بن مالك قال: كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال: "اعرضوا عليّ رقاكم، لا بأس بالرقى، ما لم يكن فيه شرك. قال الشوكاني في نيل الأوطار: فيه دليل على جواز الرقى، والتطبيب، بما لا ضرر فيه، ولا منع من جهة الشرع، وإن كان بغير أسماء الله، وكلامه، لكن إذا كان مفهومًا؛ لأن ما لا يفهم، لا يؤمن أن يكون فيه شيء من الشرك. انتهى.
ولم يأت دليل صحيح في تحديد السور، أو الآيات، أو الأذكار التي تكتب، إلا ما ورد عن ابن عباس المذكور -سابقًا- وقد أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة، وفيه مقال.
ويمكن الرجوع إلى المراجع التي أشير إليها في هذه الفتوى للاستزادة.
والله أعلم.