الإجابــة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه قد تقدم في أكثر من فتوى حديث عن التأمين من حيث نشأته وأنواعه، وكلام أهل العلم في حكم كل نوع، ويمكن مراجعة ذلك في الفتوى رقم
472.
والغرض هنا الجواب عن مسائل محددة في التأمين:
الأولى: حكم التأمين الإجباري، وما يترتب على المؤمَّن له (بفتح الميم) المجبر على ذلك إذا دخل فيه.
الثانية: حكم قبض المتضرر لمبلغ التعويض من الشركة عوضاً عن قبضه من المتسبب في الضرر.
وكلامنا ينحصر فيما إذا دخل الشخص في عقد مع إحدى شركات التأمين التجاري، غير التعاوني، لأنه هو الذي قضت المجامع الفقهية بحرمته، لأسباب مفصلة في مواضعها، فنقول:
أولاً: المؤمَّن (بفتح الميم) المجبر على التأمين المحرم يسعه ما يسع المكره على الفعل، أو الترك، وإثمه على من أكرهه. فإذا أجبر على التأمين على سيارة، أو غيرها، ولم يستطع التخلص منه - ولو بالحيلة- ولم يستطع الدخول مع بديل أقل مخالفة، كالتأمين التعاوني في حالته الراهنة، فإن له أن يؤمن على الحد الأدنى المقبول قانوناً، عملاً بقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم)، وقوله: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه)، وقوله: (إلا ما اضطررتم إليه).
أما المؤمِّن (بكسر الميم) وهو صاحب شركة التأمين فهو - في غير التأمين التعاوني حقيقة لا صورة- آثم مقامر، آكل للمال بالباطل، ومن حمل الناس على الدخول فيه بقوة القانون، ولم يجعل لهم خياراً آخر مأذونا فيه شرعاً، فهو شريك في الإثم، بل هو الآثم الأكبر، لحمله على الدخول في المحرم، ومنعه من البديل المباح.
ثانياً:
أما حكم قبض المتضرر لمبلغ التعويض من الشركة عوضاً عن قبضه من المتسبب في الضرر.
فإن للمتضرر أن يقبض العوض عما لحق به من ضرر من أي جهة أحاله عليها من تسبب في هذا الضرر، سواء كانت شركة التأمين أو غيرها. لأنه غير مسؤول عن المال الذي كسبه غيره إذا دفعه إليه مقابل استحقاقه هو لهذا المال بصورة مشروعة، ولا يعد هذا من التعاون على الإثم والعدوان، فإن الأحق بهذا الوصف هو من تعاقد مع شركة التأمين المحرم كسبها طواعية، وهو يجد غيرها. لا من لحقه الضرر، وحيل بينه وبين حقه المشروع إلا من شركة التأمين، فهذا إثمه على من أكرهه.
ولهذا نظائر: فلو أحال شخص غيره على بنك ربوي ليقضيه حقه، جاز لهذا الغير أخذ المال من البنك الربوي. وإثمه على من أودع فيه، أو اقترض منه.
كما يجوز التعامل بالبيع والشراء مع غير المسلم مع أنه قد يغلب على الظن كونه كسب ماله من ربا، أو عمل محرم، كبيع خمر، أو خنزير، ونحو ذلك. وقد مضى على هذا عمل المسلمين من غير مخالف.
والذي ينبغي على المسلم فعله في مثل هذه الأحوال هو النصح لمن وقع في ذلك، وبيان وجه الحق له، وأنه يحق له أخذ رأس ماله الذي دفعه إلى هذه الشركة دون ما زاد على ذلك، فإن امتثل فبها، وإلا فلا إثم عليه . والله أعلم.