الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف أهل العلم في التعاقد على علاج المريض، هل هو داخل في باب الإجارة أم إنه من باب الجعالة؟ جاء في الموسوعة الفقهية: أما مشارطة الطبيب على الشفاء من المرض والمعلم على حفظ القرآن مثلا وكراء السفن، فقال ابن الحاجب: إنها تصح إجارة وتصح جعالة، وزاد عليها ابن شاس المغارسة. وقال ابن عبد السلام: إن هذه الفروع كلها من الإجارة فقط على الراجح في المذهب. ونص سحنون على أن الأصل في مداواة المريض الجعالة.
واختلفوا كذلك في مشارطة الطبيب على البرء، هل تجوز أم لا، والصحيح أنها تجوز، وهي من باب الجعالة لا الإجارة. قال ابن قدامة في المغني: ويجوز أن يستأجر كحالا ليكحل عينه؛ لأنه عمل جائز ويمكن تسليمه ويحتاج أن يقدر ذلك بالمدة... فأما إن قدرها بالبرء فقال القاضي: لا يجوز؛ لأنه غير معلوم. وقال ابن أبي موسى: لا بأس بمشارطة الطبيب على البرء؛ لأن أبا سعيد حين رقى الرجل شارطه على البرء. والصحيح إن شاء الله أن هذا يجوز، لكن يكون جعالة لا إجارة، فإن الإجارة لا بد فيها من مدة أو عمل معلوم...
وبناء على هذا، فإن كان العقد الذي وقع بين ذلك الرجل أو وكيله وبين الطبيب كان عقد جعالة، بأن اشترط فيه البرء، فإن الطبيب لا يستحق شيئا؛ لأن البرء لم يحصل، والجعل إنما يُستحق بالتمام.
وإن كان العقد عقد إجارة، وقام فيه الطبيب بجميع العمل المتعاقَد عليه، فإنه بذلك يستحق الأجرة كاملة، أو يستحق منها نسبة ما قام به من العمل إذا كان الوفاة قد حصل قبل إكمال الأعمال المشترطة؛ لأن الإجارة عقد ملزم للطرفين، ولا يشترط فيها حصول النفع للمستأجر، وتنفسخ بموت المريض قبل إكمال العمل المتعاقَد عليه.
ومن الجدير بالملاحظة أنه ليس من اللازم أن يحرر عقد بين الطبيب وبين المريض بأن الصفقة صفقة إجارة أو جعالة، وإنما يكفي أن يكون ذلك متعارفا عليه.
وإذا كان العقد عقد إجارة واستحق الطبيب فيه الأجرة بكاملها أو استحق جزءا منها، فالواجب أن لا تقسم تركة الميت إلا بعد أداء هذا الحق؛ لأن سداد دين الميت مقدم على حقوق الورثة.
وإذا لم يكن الميت قد ترك مالا يفي بهذا الدين فليس من واجب بنته أن تقضيه إلا إذا كانت هي المباشرة للعقد مع إدارة المستشفى، أو كانت قد وكلت من يقوم عنها بذلك.
والله أعلم.