الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فيجوز تأخير طواف الإفاضة عن يوم النحر وفعله في أيام التشريق بعده بلا خلاف، وأما تأخيره إلى ما بعدها فيجوز عند الجمهور ومنعه بعضهم وأوجب عليه الدم. وعلى القولين لا يعود إليه إحرامه بمعنى أنه لو كان قد رمى وحلق فقد تحلل التحلل الأول ولا يعود إلى الإحرام مرة أخرى لكونه لم يطف للإفاضة في يوم النحر، ولكن يبقى غير متحلل التحلل الثاني حتى يأتي به. قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في المجموع : قال ابن المنذر : ولا أعلم خلافا بينهم في أن من أخره وفعله في أيام التشريق أجزأه ولا دم ، فإن أخره عن أيام التشريق فقد قال جمهور العلماء كمذهبنا : لا دم ، ممن قاله عطاء وعمرو بن دينار وابن عيينة وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد بن المنذر وهو رواية عن مالك. وقال أبو حنيفة إن رجع إلى وطنه قبل الطواف لزمه العود للطواف فيطوف وعليه دم للتأخير وهو الرواية المشهورة عن مالك. دليلنا أن الأصل عدم الدم حتى يرد الشرع به .
وما ذكرناه فيما يحصل به التحلل الأول هو مذهب الجمهور بمن فيهم أتباع المذاهب الأربعة حتى قال البيهقي كما نقله عنه الحافظ في التلخيص: إنه لا يعلم أحد من الفقهاء قال بما يخالف هذا، والحقيقة أنه ذهب بعض أهل العلم إلى أن المحرم إذا لم يطف قبل غروب الشمس رجع محرما كما كان قبل الرمي والحلق، واستدلوا بحديث أم سلمة عند أبي داود في السنن والحاكم في المستدرك وابن خزيمة في صحيحه أنها قالت : كانت ليلتي التي يصير إلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مساء يوم النحر، فصار إلي ودخل علي وهب بن زمعة ومعه رجل من آل أبي أمية متقمصين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوهب هل أفضت أبا عبد الله؟ قال: لا والله يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: انزع عنك القميص قال: فنزعه من رأسه ونزع صاحبه قميصه من رأسه، ثم قال ولم يا رسول الله؟ قال إن هذا يوم رخص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة أن تحلوا يعني من كل ما حرمتم منه إلا النساء، فإذا أمسيتم قبل أن تطوفوا هذا البيت صرتم حرما كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة حتى تطوفوا به . إلا أن النووي قال في المجموع: إن الحديث منسوخ دل على نسخه الإجماع.
والله أعلم .