الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلم نفهم ما تقصده من قولك: أسرار السور أو الآيات من القرآن العظيم، فإن كنت تعني بلاغته وأوجه الإعجاز فيه، فإن ذلك لا يمكن حصره في سفر ضخم، وأحرى أن يستوفى في فتوى كهذه.
فإن الناظر فى افتتاح سور القرآن الكريم يتجلى له من الأسرار ما يدل على إعجاز القرآن وأنه احتوى على كثير من الأعاجيب والبراهين، ولنضرب بعض الأمثلة على ذلك ومنها:
أن الله عز وجل استفتح أربع عشرة سورة بالثناء عليه سبحانه نصف هذه السور افتتح بإثبات صفات الكمال، ونصفها افتتح بسلب صفات النقص وتنزيه الله عز وجل.
فقد افتحت سبع سور بإثبات صفات المدح خمس منها بدأت بالحمد وهى الفاتحة : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {الفاتحة: 2 }، والأنعام : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ {الأنعام: 1}، والكهف : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ {الكهف: 1}، وسبأ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ {سبأ: 1}، وفاطر : الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ {فاطر: 1}.
وافتتح بقوله {تبارك} فى سورتين: الفرقان: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ {الفرقان:1}، والملك: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ {الملك:1}.
وافتتحت سبع سور بنفى النقص وتنزيه الله وهى: الإسراء : سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى {الأسراء:1}، والحديد والحشر والصف {سبح لله}، والجمعة والتغابن {يسبح لله}، والأعلى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى {الأعلى:1}، فمجئ هذه السور على هذا النحو نصفها إثبات للكمال ونصفها نفى للنقصان سر عظيم .
ثم هناك سر آخر وبرهان عظيم فى افتتاح السور التى بدأت بالتسبيح، فقد استأثر الله عز وجل بأنه لا يسبح لأحد غيره، ولذلك نجده استوعب جميع جهات وتصريفات التسبيح فبدأ بالمصدر فى الإسراء، وبدأ به لأنه أصل المشتقات كلها ثم الماضى {سبح لله} فى الحديد والحشر والصف لأن الماضى أسبق الزمانين فهو أسبق من المضارع.
ثم المضارع {يسبح لله} فى سور الجمعة والتغابن، ثم الأمر فى سورة الأعلى. استيعابا لهذه الكلمة، فلم يترك لأحد من خلقه شيئا.
فإذا تأملت هذا القدر عرفت استحالة حصر أسرار السور أو الآيات القرانية.
والله أعلم.