الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كنت قد علمت أن بجوارك مسجدا ولم تذهب إليه من غير عذر معتبر شرعا فإن عليك أن تتوب إلى الله تعالى من تقصيرك في حضور الجماعة؛ لأن الصلاة في الجماعة واجبة على الرجل المستطيع كما سبق بيانه في الفتوى رقم : 5153 ، وكان ينبغي لك أن تحتاط في أمر صلاتك التي هي عمود دينك وتتأكد من جهة القبلة الصحيحة لا سيما أن ذلك ممكن بأسهل وسيلة ، ومع ذلك فالظاهر من كلام أهل العلم أنك لا تأثم باكتفائك بالسؤال عن اتجاه القبلة إذا كان الشخص الذي سألته مسلما غير معلوم الفسق، ولو تبين بعد ذلك أنه أخطأ في نعته للقبلة، فقد ذكر بعض أهل العلم أن خبر المسلم المستور الحال مقبول في مثل هذا الأمر. قال ابن قدامة في المغني وهو يذكر من يقبل خبره في الدلالة على القبلة ومن لا يقبل خبره في ذلك: وإن لم يعلم عدالته وفسقه قبل خبره لأن حال المسلم يبنى على العدالة ما لم يظهر خلافها وقبل خبر سائر الناس من المسلمين البالغين العقلاء سواء كانوا رجالا أو نساء ، ولأنه خبر من أخبار الدين فأشبه الرواية، ويقبل من الواحد كذلك . انتهى .
ثم إن الانحراف عن القبلة منه ما يبطل الصلاة باتفاق العلماء، ومنه ما لا يؤثر على صحتها لدى جمهورهم كما سبق بيانه في الفتوى رقم : 49853 ، وعليه فإذا كان الانحراف الذي اطلعت عليه فيما بعد لا يصل إلى حد الانحراف الذي يؤثر على صحة الصلاة فلا إعادة عليك ، وإن كان يصل إلى حد الانحراف الذي يبطل الصلاة عند الجميع وهو جعل الكعبة عن اليمين أو اليسار أو استدبارها من باب أولى فعليك الإعادة أيضا لتبين خطأ المخبر في الحضر حيث تستطيع معرفة القبلة من غيره. فقد ذكر ابن قدامة في المغني ما ملخصه: أن غير الأعمى إذا صلى في الحضر ثم تبين أنه أخطأ اتجاه القبلة أعاد ولو كان معتمدا على مخبر تبين خطؤه فيما بعد ونصه : أما البصير إذا صلى إلى غير الكعبة في الحضر ثم بان له الخطأ فعليه الإعادة سواء إذا صلى بدليل أو غيره لأن الحضر ليس بمحل الاجتهاد لأن من فيه يقدر على المحاريب والقبل المنصوبة ويجد من يخبره عن يقين غالبا فلا يكون له الاجتهاد كالقادر على النص في سائر الأحكام، فإن صلى من غير دليل فأخطأ لزمته الإعادة لتفريطه وإن أخبره مخبر فأخطأه فقد غره وتبين أن خبره ليس بدليل . انتهى .
وللفائدة انظر الفتويين: 31107 ، 152821 .
والله أعلم .