الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقبل الجواب المباشر لا بد من التنبيه إلى مراعاة الأمور التالية عند تقرير المسألة:
1- الجمع بين الأدلة التي ظاهرها التعارض والتوفيق بينها وعدم أخذ بعضها والإعراض عن البقية؛ لأن ذلك سبيل أهل البدع والأهواء.
2- عدم الخوض في تقرير مسائل الشريعة إلا للمتخصصين المتأهلين للنظر فيها وليس لكل واحد، وأكثر الناس اليوم يحترمون التخصصات إلا في الشريعة الإسلامية فتجد أحدهم مثلاً في الطب يرجع إلى الأطباء المتخصصين ويدقق في البحث عن الماهر منهم ولا يسلم نفسه لكل مدع للطب، ولكن لا يفعل ذلك في أمور دينه؛ بل الكل يجتهد ويتأول إلا من رحم الله.
3- عدم الاجتهاد مع وجود النص واتفاق العلماء على معناه، وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا {النساء:115}.
وعلى ضوء ما سبق نقول: قد جاءت الأدلة الصحيحة الصريحة بأن الصلوات خمس، وأوقاتها خمسة، وحددت السنة أوقاتها بدقة، ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد وغيره عن جابر بن عبد الله الأنصاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل فقال: قم فصله، فصلى الظهر حين زالت الشمس، ثم جاءه العصر فقال: قم فصله، فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله أو قال صار ظله مثليه، ثم جاءه المغرب فقال: قم فصله، فصلى حين وجبت الشمس، ثم جاءه العشاء فقال: قم فصله، فصلى حين غاب الشفق، ثم جاءه الفجر، فقال: قم فصله، فصلى حين برق الفجر أو قال حين سطع الفجر. ثم جاءه من الغد للظهر فقال: قم فصله، فصلى الظهر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم جاءه العصر، فقال: قم فصله فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثليه، ثم جاءه للمغرب المغرب وقتاً واحداً لم يزل عنه، ثم جاء للعشاء العشاء حين ذهب نصف الليل أو قال ثلث الليل فصلى العشاء، ثم جاءه للفجر حين أسفر جداً فقال قم فصله فصلى الفجر ثم قال: ما بين هذين وقت.
ولا يكون للصلوات الخمس ثلاثة أوقات إلا في حالات استثناها الشرع وهي:
1- السفر فيجمع المسافر بين الظهر والعصر تقديماً أو تأخيراً، وبين المغرب والعشاء كذلك، ويصلي الفجر في وقتها، فتكون الأوقات بالنسبة له ثلاثة عند جمهور أهل العلم سوى الحنفية.
2- الجمع للحاج في عرفة ومزدلفة ومنى على تفصيل في ذلك لأهل العلم رحمهم الله.
3- الجمع عند المطر تقديماً وفي قول أو تأخيراً.
4- عند الخوف.
5- عند المرض.
6- عند الحاجة والمشقة. وهذا غاية ما وردت فيه رخصة الجمع بين الصلاتين.
وأما الجمع بينها لغير عذر مطلقاً فلم يرد بذلك دليل ولا قال به عالم معتبر من أهل العلم. وحديث ابن عباس الذي استدل به المعارضون حجة عليهم وليس لهم، فقد بين ابن عباس راوي الحديث أنه خاص بالحاجة، وهكذا تتابع الناس على أخذ ذلك منه، ففي الصحيحين عن ابن عباس قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً بالمدينة في غير خوف ولا سفر، قال أبو الزبير: فسألت سعيداً لم فعل ذلك؟ فقال سألت ابن عباس كما سألتني فقال: أراد أن لا يحرج أحداً من أمته.
وهكذا تتابع العلماء على فهم هذا الحديث، وأما الآيات فلا دلالة على أن الصلوات ثلاثة أوقات بل فيه إجمال بينته السنة المطهرة التي قال الله فيها: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ {النحل:44}، وقد فصلنا هذه المسألة بتوسع في الفتوى رقم: 53951، والفتوى رقم: 6846 فراجعهما.
والله أعلم.