الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن رؤيا الكافر نصرانياً كان أو يهودياً أو وثنياً قد تصدق نادراً، كرؤيا صاحبي السجن التي قصاها على يوسف عليه السلام، ورؤيا ملكهما بعد ذلك.
وكرؤيا الموبذان وزير كسرى حين رأى ليلة ولد النبي صلى الله عليه وسلم إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً، وقد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها، فكان تأويل ذلك بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وانتشار الفتوح.
وقد كثرت مثل هذه المرائي لما اقترب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت مرائي صادقة.
وكذلك رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم فيما يصيب قريشًا يوم بدر.
وبناءً على ذلك، فلا تختص الرؤيا الصادقة بالمؤمن الصالح اختصاصاً كلياً، وإن كانت تقع منه أكثر من غيره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً، كما في صحيح مسلم.
وقد قسم بعض أهل العلم -كما قال الحافظ في الفتح- الناس في هذا الباب إلى ثلاثة أقسامٍ:
- الأنبياء: ورؤياهم كلها صادقة.
- الصالحون: والأغلب على رؤياهم الصدق.
- ومن عداهم: ويقع في رؤياهم الصدق والأضغاث، وهؤلاء أيضاً ينقسمون إلى ثلاثة أقسام.
- مستوري الحال: والغالب في رؤياهم استواء الحال، فتصدق تارة، وتكون أضغاثاً تارة.
- الفسقة: والغالب على رؤياهم الأضغاث.
- كفار: يندر في رؤياهم الصدق جداً.
وبهذا يعلم السائل أنه لمثل ما يحصل لهذه النصرانية نظائر متقدمة، وأنه لا مانع منه شرعاً، ولا يدل على فضل الرائي، ولا صلاحه.
وليس ما يراه الكفار من تلك المرائي التي تصدق أحياناً جزءاً من أجزاء النبوة، وقد نقل الحافظ في الفتح عن ابن العربي قوله: رؤيا المؤمن الصالح هي التي تنسب إلى أجزاء النبوة، ومعنى صلاحها: استقامتها وانتظامها. قال: وعندي أن رؤيا الفاسق لا تعد في أجزاء النبوة، وقيل: تعد من أقصى الأجزاء. وأما رؤيا الكافر، فلا تعد أصلاً. اهـ.
ثم نقل عن القرطبي أيضاً قوله: المسلم الصادق الصالح هو الذي يناسب حاله حال الأنبياء، فأُكرم بنوع مما أكرم به الأنبياء، وهو الاطلاع على الغيب، وأما الكافر والفاسق والمخلط فلا، ولو صدقت رؤياهم أحياناً، فذلك كما يصدق الكذوب، وليس كل من حدث عن غيب يكون خبره من أجزاء النبوة، كالكاهن والمنجم. انتهى كلامه.
والله تعالى أعلم.