الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن التدخين محرم شرعا لما فيه من الإضرار بالنفس، وللحديث: لا ضرر ولا ضرار. وللقاعدة الأصولية التي ذكرها صاحب المراقي: وأصل كل ما يضر المنع.
ولكن استتار المدخن بتدخينه لا يجعله منافقا، فالشرع قد أمر بالتستر بالمعاصي مع حضه على تركها والتوبة منها، كما في الحديث: اجتنبو هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله. أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
وقد منع الشرع المجاهرة بالذنب كما في الحديث الذي ذكر السائل وهو في الصحيحين. ومن حكمة ذلك أن المجاهر يضيف إلى ذنبه الذي عمله إظهار الفجور أمام الناس، وهذا قد يجر إلى اقتداء آخرين فيكون سن أمامهم سنة سيئة أو دعاهم، فإذا عملوا بذلك كان عليه وزرهم؛ كما في حديث مسلم.
وأما حديث ابن ماجه فيمن ينتهكون المحرمات في الخلوة فهو محمول على من يظهر زي الصالحين في الملأ وينتهك المحارم في الخلوة. وهذا الذي بوب عليه الهيتمي في الزواجر وأورد الحديث فيه، فمن كان يتظاهر بالطاعات ويستحيي من الناس، وإذا خلا وحده لم يراقب الله تعالى ولم يستحي منه، يُخاف عليه من هذا الوعيد، وأما من كان يعمل الطاعات مخلصا لله فيها وتضعف نفسه أحيانا فيغلبه هواه وشيطانه ويكتم معصيته عن الناس فنرجو ألا يكون داخلا في هذا الوعيد، هذا من ناحية العموم.
وعلى من كان يعرف شخصا بهذه الصفة أن يستره وأن يناصحه ويبين له الحكم، ويحذره من مضار التدخين التي حذر منها الأطباء، وأن يكثر سؤال الله أن يعينه على تركه، وأن يعترف له بما فيه من الخير، ولا يجعل خطأه في التدخين سببا للتشهير به ما دام مستترا به.
ونرجو الله تعالى أن يغفر له ويجعله ممن غلبت حسناتهم خطاياهم.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها للمزيد في الموضوع:1819، 38809، 47852، 9268، 29331، 59157.
والله أعلم.