الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن مجرد ترك هذه السنة نظرا لاعتبارها عيبا عند الحاضرين لا يعتبر كبرا فيما يبدو، لكنه قد يكون رغبة عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وترجيحا لجانب عوائد الناس عليها، ولا يجوز للمسلم أن يترك سنة النبي صلى الله عليه وسلم التي فعلها أو أمر بها رغبة عنها، وينبغي أن يطبقها ويأمر بها غيره، ويكفي عقاباً لمن تعمد ترك السنن رغبة عنها ما في الصحيحين وغيرها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من رغب عن سنتي فليس مني. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند شرح حديث الرجل الذي سأل عن الفرائض:
وحلف ألا يزيد عليها،، قال القرطبي: في هذا الحديث وكذا حديث طلحة في قصة الأعرابي وغيرهما دلالة على جواز ترك التطوعات، لكن من داوم على ترك السنن كان نقصا في دينه، فإن كان تركها تهاونا بها ورغبة عنها كان ذلك فسقا يعني لورود الوعيد عليه حيث قال صلى الله عليه وسلم: من رغب عن سنتي فليس مني. انتهى. فإن كلام الحافظ هذا وإن كان في موضوع سنن ونوافل الصلاة والزكاة والصيام والحج؛ إلا أن هذا ينطبق على سائر سننه صلى الله عليه وسلم في موضوع الرغبة عنها.
وخلاصة القول أن ترك لعق الأصابع بعد الطعام رغبة عن السنة يعتبر نقصا في الدين، وإن ترك لا لشيء فلا إثم على من تركه، لأنه ليس واجبا بل هو من سنن وآداب الأكل، ولبيان ما ورد في هذه السنة فقد روى مسلم عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث، قال: وقال: إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان، وأمرنا أن نسلت القصعة، قال: فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة. والحديث رواه أصحاب السنن.
وروى الترمذي وغيره أيضا عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أكل أحدكم فليلعق أصابعه فإنه لا يدري في أيتهن البركة. قال في تحفة الأحوذي عند شرح هذا الحديث: قال النووي: معناه أن الطعام الذي يحضر الانسان فيه بركة ولا يدري أن تلك البركة فيما أكله، أو فيما بقي على أصابعه، أو فيما بقي في أسفل القصعة، أو في اللقمة الساقطة. فينبغي أن يحافظ على هذا كله لتحصل البركة وأصل البركة: الزيادة وثبوت الخير والامتناع به. والمراد هنا ما يحصل به التغذية وتسلم عاقبته من أذى ويقوي على طاعة الله تعالى وغير ذلك. انتهى. وفي الحديث رد على من كره لعق الأصابع استقذارا نعم يحصل ذلك لو فعله في أثناء الأكل لأنه يعيد أصابعه في الطعام وعليها أثر ريقه. انتهى.
والله أعلم.