الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحديث المذكور حديث ثابت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة والرواية التي في السؤال هي رواية البخاري ورواية الترمذي: أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار. ففي الحديث وعيد لمن يرفع رأسه قبل رأس الإمام، ولكن اختلف أهل العلم في المعنى المراد من هذا الوعيد فقيل هو على ظاهره إذ لا مانع من جواز تحويل رأس من يفعل ذلك إلى رأس حمار، أو تحويل صورته إلى صورة حمار حقيقة، وقيل المراد به المبالغة في وصف من يفعل ذلك بالبلادة مثل الحمار، قال في تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي: اختلف في معنى هذا الوعيد؛ فقيل يحتمل أن يرجع إلى أمر معنوي، فإن الحمار موصوف بالبلادة فاستعير هذا المعنى للجاهل بما يجب عليه من فرض الصلاة ومتابعة الإمام، ويرجح هذا المجاز أن التحويل لم يقع مع كثرة الفاعلين، لكن ليس في الحديث أن ذلك يقع ولا بد، وإنما يدل على كون فاعله متعرضاً لذلك وكون فعله ممكنا لأن يقع عنه ذلك الوعيد، ولا يلزم من التعرض للشيء وقوع ذلك الشيء قاله بن دقيق العيد، وقال بن بزيزة يحتمل أن يراد بالتحويل المسخ أو تحويل الهيئة الحسية أو المعنوية أو هما معاً.
وحمله آخرون على ظاهره إذ لا مانع من وقوع ذلك، بل يدل على جواز وقوع المسخ في هذه الأمة حديث أبي مالك الأشعري فإن فيه ذكر الخسف وفي آخره يمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة، ويقوي حمله على ظاهره أن في رواية ابن حبان من وجه آخر عن محمد بن زياد أن يحول الله رأسه رأس كلب فهذا يبعد المجاز لانتفاء المناسبة التي ذكروها من بلادة الحمار، ومما يبعده أيضاً إيراد الوعيد بالأمر المستقبل وباللفظ الدال على تغيير الهيئة الحاصلة، ولو أريد تشبيهه بالحمار لأجل البلادة لقال مثلا فرأسه رأس حمار، وإنما قلت ذلك لأن الصفة المذكورة وهي البلادة حاصلة في فاعل ذلك عند فعله المذكور، فلا يحسن أن يقال له يخشى إذا فعلت ذلك أن تصير بليداً مع أن فعله المذكور إنما نشأ من البلادة. كذا في فتح الباري. قلت: القول الظاهر الراجح هو حمله على الظاهر، ولا حاجة إلى التأويل مع ما فيه مما ذكره الحافظ. انتهى هذا عن معنى الحديث.
أما عن حكم الرفع قبل الإمام فقد قال الحافظ بن حجر: وظاهر الحديث يقتضي تحريم الرفع قبل الإمام؛ لكونه توعد عليه بالمسخ وهو أشد العقوبات، وبذلك جزم النووي في شرح المهذب، ومع القول بالتحريم فالجمهور على أن فاعله يأثم وتجزئ صلاته. وعن ابن عمر تبطل. وبه قال أحمد في رواية وأهل الظاهر بناء على أن النهي يقتضي الفساد، وفي المغني عن أحمد أنه قال في رسالته ليس لمن سبق الإمام صلاة لهذا الحديث، قال ولو كانت له صلاة لرجي له الثواب ولم يخش عليه العقاب. انتهى. وللمزيد من الفائدة ينظر الفتوى رقم: 32257.
والله أعلم.