الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأهل الكتاب هم أهل التوراة والإنجيل، (اليهود والنصارى)، قال تعالى: أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا {الأنعام: 156}.
وكان نكاح نسائهم محرما في أول الأمر بعموم تحريم نكاح الكفار. قال تعالى: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ {الممتحنة:10}. وقال تعالى: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ {البقرة:221}.
ثم أحل الله نكاح المحصنات من أهل الكتاب، وبقي سائر الكوافر على التحريم، قال تعالى: اليَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ {المائدة:5}
قال الإمام القرطبي رحمه الله: قالت طائفة: حرم الله نكاح المشركات في سورة البقرة، ثم نسخ من هذه الجملة نساء أهل الكتاب، فأحلهن في سورة المائدة، وروي هذا القول عن ابن عباس، وبه قال مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وعبد الرحمن بن عمر، والأوزاعي. اهـ من القرطبي في تفسير آية البقرة 221.
وأما منزلة الكتابيات اللاتي يتميزن بها دون سائر الكافرات فهي أن أهل الكتاب يلتقون مع المسلمين في كثير من أمور الدين، فإذا اقتربوا منهم وكانت القوامة واليد العليا للمسلمين صحح ذلك الكثير من الأخطاء والمفاهيم التي عندهم عن الإسلام والمسلمين، فكان ذلك وسيلة لإسلامهم وإسلام أقاربهم ومن له صلة بهم... وواقع الحال على مر العصور شاهد على هذا.
ومن ذلك أيضا أن المسلم -رغم اعتقاده تبديل أهل الكتاب لكتبهم- فإنه يحترم دينهم ونبيهم.
والله أعلم.